الصيدلي في الأردن والأدوار الغائبة ..

Beoryx eyelashes
Befresh

الصيدلي في الأردن والأدوار الغائبة ..

الأستاذ الدكتور فراس علعالي
الدكتورة الصيدلانية زينب الصبح
الصيدلاني أحمد الرصاصي

إن ممارسة مهنة الصيدلة في الأردن لم تشهد أي تطور ملحوظ منذ زمن طويل وهي غير مواكبة لما يشهده العالم من أدوار ومهام جديدة وهامة أنيطت بالصيدلاني.
تخيل أن تُعلم مهندساً كهربائياً كل ما يتعلق بالأنظمة التقنية الكهربائية المتطورة وتكنولوجية الاتصالات والكمبيوتر الحديثة ثم تنيط به بعد التخرج مهمة إبدال لمبات الإضاءة !! أليس ذلك هدراً للوقت والمال وعدم استغلال للامكانيات !!
هذا هو حال الصيدلي في الأردن اليوم. لا تذكر مهنة الصيدلة إلا ويتسلل للمخيلة صورة لصيدلاني يقف في صيدليته ويقوم بصرف الأدوية لطابور من المرضى المنتظرين في الصيدلية!، كيف لا وقد ارتبطت في أذهان الناس مهنة الصيدلاني وانحصرت بصرف الوصفات الطبية سواء أكان في صيدلة مجتمع أو صيدلة مركز صحي أو صيدلة مستشفى خارجية أو داخلية.
هنا نتساءل هل من المعقول أن يخضع الصيدلاني أو دكتور الصيدلة لبرنامج تدريس جامعي مكثف مدته خمس أو ست سنوات يتم فيه تأهيله وتدريبه في شتى العلوم الصيدلانية والدوائية والممارسة الصيدلية والصيدلة السريرية، وكيفية التعامل مع الأدوية والمرضى والكوادر الطبية، كذلك التعامل مع مختلف الحالات المريضة وخطط علاجها والوقاية منها، لينحصر عمله بعد ذلك فقط على صرف الوصفات الطبية من الصيدليات!.
هنا هل عملية صرف الأدوية بحاجة لكل تلك البرامج التدريسية والتدريبية المكثفة؟! أم أن الصيدلاني طاقة غير مستغلة ومؤهل لما هو أكثر من ذلك بكثير؟!.
في الحقيقة الصيدلاني مؤهل للقيام بالكثير من الأدوار والمهام التي تتجاوز بكثير مجرد عملية صرف الأدوية. عالمياً العديد من الدول، كأمريكا وكندا وبريطانيا وغيرها، أدركت الأهمية الحقيقية للصيدلاني وبدأت باستغلال قدراته وكفاءاته، وخصوصاً مع تزايد أعداد المرضى وتضخم المتطلبات العلاجية لهم بما يتجاوز القدرة الاستيعابية للكوادر الطبية وخصوصاً الأطباء، بالاضافة إلى الارتفاع المطرد في التكلفة العلاجية. وبهذا توسعت مجالات ممارسة مهنة الصيدلة، حيث سمحت هذه الدول للصيادلة باتخاذ أدوار جديدة في مجال الرعاية الصحية وذلك ضمن أنظمة وقوانين رسمية تحكمها حصل من خلالها الصيادلة على صلاحيات جديدة، نذكر منها:
1- إعطاء المطاعيم، حيث يقوم الصيدلاني بعد الخضوع لبرنامج تدريبي مكثف ومتخصص تولي مهمة إعطاء المطاعيم بأنواعها المختلفة للمرضى الذين تتجاوز أعمارهم 3-6 سنوات باختلاف الدول، وذلك يشمل كافة المطاعيم الموصى بها من قبل مراكز مكافحة الأمراض واتقائها (Centers for Disease Control and Prevention- CDC)، ومثال عليها مطعوم الأنفلونزا الذي يعطى بشكل سنوي لكثير من الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة كمرضى السكري ومرضى الالتهاب الرئوي وغيرهم من الأشخاص المعرضين للإصابة بالمرض. بهذا يستطيع المرضى الحصول على المطعوم وأخذه في الصيدلية دون الحاجة لزيارة الطبيب أو المركز الصحي، مما يسهل على المرضى الالتزام بمواعيد أخذ المطاعيم ويخفف على بقية أعضاء الكادر الطبي هذا العبء.
2- المشاركة في برامج تنظيم الأسرة ومنع الحمل، حيث يستطيع الصيدلاني صرف موانع الحمل الهرمونية (حبوب منع الحمل ولاصقات منع الحمل الهرمونية) بعد إجراء تقييم شامل لحالة السيدة، واتخاذ قرار مشترك مع كل سيدة باختيار الوسيلة الأنسب لها وبما يتلاءم مع وضعها وحالتها، والتأكد من عدم وجود ما يمنع استخدامها كوجود تاريخ للإصابة بالجلطات أو التدخين أو غيرها من الأسباب التي لا يجوز فيها استخدام بعض وسائل منع الحمل. كما أن الصيدلاني مؤهل لتقديم تثقيف شامل حول الأسلوب الأمثل لاستخدام وسائل منع الحمل الهرمونية ومدى فعاليتها وآثارها الجانبية والتصرف اللازم في حال نسيانها، وكيفية استخدامها لمنع الحمل بعد الاتصال الجنسي غير المحمي. من جهة أخرى يستطيع الصيدلاني إيقاف وسائل منع الحمل الهرمونية في حال اكتشافه لوجود سبب يمنع استخدامها أو تعرض السيدة لأعراض جانبية لا يمكن احتمالها وإرشادها حول البدائل المناسبة. هذا الدور الجديد للصيدلاني يتيح لأي سيدة الحصول على حبوب منع الحمل بسهولة ويسر بمجرد زيارة الصيدلية وفي أي وقت دون أن تحتاج لتحديد موعد مسبق مع طبيب نسائية وفي هذا تشجيع على استخدام وسائل تنظيم الأسرة لسهولة الحصول عليها دون جهد أو زيادة في التكلفة العلاجية.
3- تقييم ومعالجة الأمراض البسيطة التي يمكن تشخيصها من خلال الأعراض الظاهرة على المريض والاطلاع على تاريخه المرضي. هنا يستطيع الصيدلاني إعطاء العلاج المناسب بعد تقييم حالة المريض، حيث يُعطى الصيدلاني صلاحية صرف مجموعة من الأدوية  (prescribing authority)دون وجود وصفة طبية من طبيب مختص، وفي الأغلب تصرف هذه الأدوية لمعالجة الأمراض الخفيفة وقصيرة الأمد، كالسعال والرشح واحتقان الأنف والحساسية وقمل الرأس وغيرها من الأمراض البسيطة الظاهرة. في العادة تكون صلاحية صرف الأدوية للصيدلاني متاحة لأنواع محددة من الأدوية فقط، والتي من المعروف استخدامها لمعالجة الحالات المرضية قصيرة الأمد وليس لها آثار جانبية خطيرة. في الأردن، من المتعارف عليه لجوء العديد من المرضى لاستشارة الصيدلاني في الأعراض المرضية التي يعانون منها وطلب العلاج المناسب، فلماذا لا تؤطر هذه الممارسة وتُقنن بحيث يتسق القانون مع الممارسة بما يمنع التجاوزات والأخطاء التي يمكن أن تحدث مع الممارسة العشوائية لهذه الصلاحية.
4- المساهمة في معالجة الأمراض المزمنة في عملية تعاون مشتركة مع الطبيب والمريض وبقية أفراد الطاقم الطبي، مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم والسكري واضطراب الدهنيات وغيرها من الأمراض المزمنة، يتابع فيها الصيدلاني فعالية الأدوية وآثارها الجانبية ويساهم في اختيار الدواء المناسب بالجرعة المناسبة واكتشاف أي أخطاء أو تفاعلات دوائية قد تؤثر على فعالية الدواء. العديد من الدراسات أثبتت جدوى مشاركة الصيدلاني في العملية العلاجية للعديد من الأمراض المزمنة، فمثلا مشاركة الصيدلاني في علاج مرض ارتفاع ضغط الدم ساهم في خفض ضغط الدم الانقباضي بمعدل 3.8-8.1 ملمتر زئبقي، كما ساهم بخفض مستوى الكوليسترول في الدم الضار (LDL) بمقدار 10.8ملغم/ ديسلتر، ولدى مرضى ضعف عضلة القلب ساهم الصيدلاني بخفض معدل دخولهم للمشفى بمقدار 31% مما يخفض التكلفة العلاجية ويحسن المخرجات العلاجية.
5-إدارة شاملة للأدوية (comprehensive medication management)، وهنا يقوم الصيدلاني بعمل بمراجعة شاملة لأدوية المرضى الذين يستخدمون ثلاثة أدوية فأكثر، حيث يراجع الصيدلاني كافة الأدوية التي يتناولها المريض بما يشمل الأدوية المصروفة بوصفة طبية أو بدون وصفة طبية والمنتجات العشبية والعمل على اكتشاف أي مشاكل دوائية، كوجود تفاعل دوائي- دوائي أو تفاعل دوائي- عشبي أو تفاعل دوائي- غذائي، وما يلزم ذلك من إعطاء مكملات غذائية إلى جانب بعض الأدوية أو تجنب هذه المكملات أو تجنب بعض الأطعمة أو التخفيف منها مع أدوية أخرى، بالإضافة إلى اكتشاف أي مشاكل في جرعات الأدوية أو شكلها الصيدلاني والتأكد من فعاليتها وأمانها والتزام المريض بها.
6-في دول مختلفة مثل كندا، يستطيع الصيدلاني الحصول على اختصاصات متعددة بعد الخضوع لدورات تدريبية مختصة والحصول على تصريح رسمي للقيام بأدوار متعددة منها: مثقف سكري معتمد , مثقف الربو معتمد ، صيدلاني معتمد لكبار السن ، مثقف أمراض تنفسية معتمد، مثقف تدخين معتمد ، صيدلاني مختص في الأمراض المتعلقة بالسفر Medicine ،  صيدلاني مختص بأمراض القلب ، صيدلاني مختص بالمنتجات العشبية ، صيدلاني مختص بأمراض السرطان، صيدلاني مختص بالأمراض النفسية ، صيدلاني مختص بالتركيبات الدوائية .
7- متابعة المدخنين وتقديم المعلومات الطبية والتثقيف الصحي اللازم حول أضرار التدخين وطرق الإقلاع، بالإضافة إلى صلاحية تقديم نظام علاج دوائي للراغبين بالإقلاع عن هذه العادة ومتابعته، من خلال صرف الأدوية المخصصة لتحقيق هذه الغاية ومن أبرزها منتجات النيكوتين وغيرها. يستطيع الصيدلاني تقديم هذه الخدمة الطبية والحصول على هذه الصلاحية بعد إتمام برنامج تدريبي متخصص في المجال ليعتبر مثقف تدخين معتمد (Certified tobacoo educator) كما ذكرنا سابقاً.
8-المساهمة في معالجة المدمنين ومتابعتهم وتقييم تطور علاجهم مع الوقت، وذلك بعد أن يخضع الصيدلاني لبرنامج تدريبي متخصص في هذا المجال والحصول على تصريح رسمي يتيح له القدرة على متابعة المرضى المدمنين وصرف الأدوية الخاصة في معالجتهم في عملية علاج مشتركة مع الطبيب، حيث يتابع الصيدلاني المريض بشكل يومي ويقوم بإعطاء الدواء اللازم للعلاج والتأكد من التزامه بالعلاج ويقييم حالته باستمرار، ويلجأ لاستشارة الطبيب المتابع للحالة في حال وجود أي تطورات تستدعي ذلك.
9-صلاحية تجديد الوصفات الطبية وتعديلها بما يناسب حالة المريض والمستجدات التي تحدث مع الوقت. تتيح هذه الصلاحية للصيدلاني القدرة على تجديد الوصفات الطبية للمرضى المزمنين دون أن يحتاج المريض لزيارة الطبيب، كما يستطيع الصيدلاني إجراء أي تعديل يراه مناسباً على أدوية المريض كإضافة دواء أو إيقاف دواء أو إعطاء دواء بديل أو تغير الجرعة أو مدة العلاج أو الشكل الصيدلاني للدواء وغيرها، لكن يستثنى من هذه الصلاحية تجديد الوصفات الخاصة بالأدوية المرصدة أو تعديلها أو إضافتها. هنا يجب على الصيدلاني توثيق التعديلات التي أجراها على الخطة العلاجية للمريض في ملفه الطبي، وأن يحافظ على تواصل مستمر وفعال مع الطبيب المعالج وإعلامه بهذه التغيرات بشكل مستمر، وذلك للحصول على رعاية طبية متكاملة بما يخدم مصلحة المريض ومنع حدوث أي تعارض بين ما يجري في عيادة الطبيب وما يقوم به الصيدلاني.
10-    صلاحية صرف الأدوية في الحالات الطارئة، الكثير من الحالة المرضية التي يلجأ فيها المريض لزيارة مركز الطوارئ من الممكن معالجتها من خلال الصيدلاني في صيدلية المجتمع، ومن هنا لجأت العديد من الدول لإعطاء الصيدلاني صلاحية صرف الأدوية في الحالات الطارئة دون وجود وصفة طبية، على أن يقوم الصيدلاني بصرف كمية الدواء المناسبة لعلاج الحالة الطارئة لوقت يستطيع فيه المريض مراجعة طبيبه وفي ذلك تخفيف من العبء على مراكز الطوارئ وتقليل للتكلفة العلاجية، ومثال ذلك صرف بخاخ موسع القصبات (الفينتولين) لمريض يعاني من نوبة الربو.
11-    إعطاء الحقن أو الأدوية عبر الاستنشاق وإجراء أي فحص على الأنسجة تحت الجلد بهدف تعليم المريض وتثقيفه على الأسلوب الأمثل لاستخدام الدواء والحصول على أفضل فعالية ممكنة منه، ومتابعة المرض من خلال إجراء الفحوصات المنزلية. مثلاً يستطيع الصيدلاني تثقيف المريض على كيفية إعطاء حقن الإنسولين أو الهيبارين أو كيفية استخدام بخاخات الربو، أو تعليمه على كيفية استخدام جهاز قياس السكر وأخذ عينات الدم بهدف الفحص. كما يستطيع الصيدلاني المتمرس إعطاء الحقن الدوائية داخل الصيدلية فلا يحتاج المريض للبحث عن طبيب أو ممرض لأخذ الدواء بعد شراءه من الصيدلية.
12-طلب الفحوصات المخبرية وتفسير نتائجها، حيث تخول هذه الصلاحية الصيدلاني لطلب إجراء فحوصات مخبرية للمريض وذلك لمتابعة حالته المرضية أو تحقيق الأهداف العلاجية أو فعالية الأدوية أو آثارها الجانبية، فمثلاً يستطيع الصيدلاني طلب إجراء السكر التراكمي أو قياس ضغط الدم أو مستوى الدهنيات بالدم أو طلب إجراء درجة التميع في الدم (INR) لمتابعة فعالية دواء الورفارين أو طلب إجراء فحص لمستوى دواء الدجوكسن (digoxin) للتأكد من عدم وجود تسمم دوائي وغيرها من الحالات التي تستدعي إجراء فحوصات مخبرية.
لتطوير مهنة الصيدلة وخدمة مجتمعنا في الأردن لا بد للجامعات الأردنية في مجال التعليم الصيدلاني إتباع واعتماد الخطط والبرامج التدريسية والتدريبية التي تضاهي ما يتم تدريسه في الجامعات العالمية. وعلى نقابة الصيادلة دور هام في المشاركة الفاعلة في تطوير التشريعات التي تجعل الصيدلي الأردني مواكباً لأفضل الممارسات العالمية وأخذ زمام المبادرة وعلى وزارة الصحة الإيمان بالدور الهام الذي يلعبه الصيدلي عالمياً ومواكبة التطور الحاصل في مهنة الصيدلة.

تاريخ النشر: السبت – 10-10-2015

اترك تعليقك هنا ...

%d مدونون معجبون بهذه: