في خطوة وصفها البعض بـ”المتأخرة” أصدر الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة المصري قرارًا بسحب الأدوية منتهية الصلاحية من الصيدليات، في محاولة لـ”تنظيف السوق” من مثل هذه الأدوية التي انتشرت بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الماضية، وذلك بعدما باتت تمثل تهديدًا لحياة المواطنين.

قرار الوزير المصري الذي حمل رقم 115 لعام 2017 ألزم جميع شركات الأدوية بقبول المرتجعات من الأدوية منتهية الصلاحية خلال عام، وفي حالة امتناع أي شركة من تلك الشركات عن تنفيذ القرار خلال المدة المشار إليها، يتم النظر في شأن إيقاف الشركة الممتنعة، ما دفع ببعض الشركات، التي ترى في إرجاع الدواء منتهي الصلاحية خسارة لها، إلى البحث عن تسويقه  بطريقة أو بأخرى، ولو بسعر منخفض ، وذلك عن طريق مواقع التواصل الإجتماعي،  ليجد هذا المنتج سوقه الرائج في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.

(68) مليون دولار.. سوق الأدوية منتهية الصلاحية

أثار هذا القرار ضجة وجدلا بين وزارة الصحة وشركات صناعة الدواء في مصر، خاصة بعد تحريك أسعار الدواء والذي يصب في صالح هذه الشركات، التي من المحتمل أن تتعرض لخسارة جرًاء إعادتها للأدوية منتهية الصلاحية والتي تمثل نسبة غير قليلة من  إجمالي سوق الدواء.

رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، الدكتور علي عوف، قال في تصريحاته له إن هذا القرار صائب، ويصب في مصلحة المواطن وأمانه وحياته، ملفتًا أن تعنت شركات صناعة الأدوية حيال تنفيذ هذا القرار يرجع إلى رغبتها في تعظيم مكاسبها، ما يساهم بشكل كبير في ظهور التجارة غير المشروعة عبر الأدوية منتهية الصلاحية.

عوف أضاف أن حجم سوق الأدوية منتهية الصلاحية يبلغ نحو 600 مليون جنيه (68 مليون دولار) خلال أكتوبر 2015، بينما حجم الأدوية المغشوشة في مصر لا تزيد على 3-4%، موضحًا أن القرار يتعلق بالأدوية محلية الصنع، أما الأدوية  المستوردة منتهية الصلاحية فلم يتم البت فيها حتى الآن، مشيرًا أنها قيد الدراسة.

وأضاف رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة ستراجع الشركة التي لا تلتزم بتنفيذ هذا القرار في تسجيل الأدوية، وقد يصل الأمر لإيقافها عن استكمال التسجيل بالإدارة لحين الانتهاء من الأدوية المنتهية الصلاحية، منوهًا إلى وجود متحكرين لصناعة الدواء، ومافيا تتحكم في الصغير والكبير في السوق المصرية، على حد قوله.

(68) مليون دولار حجم سوق الأدوية منتهية الصلاحية في مصر

السوشيال ميديا.. السوق البديل

السجال بين وزارة الصحة والشركات حول مصير الأدوية منتهية الصلاحية دفع ببعض الصيدليات إلى محاولة الحصول على أكبر مكسب ممكن وأقل خسارة متوقعة من هذه الأدوية، وهو ما تجسده بعض الصفحات على مواقع التواصل الإجتماعي “فيس بوك” والتي قامت بعرض شراء العديد من أنواع الأدوية لاسيما منتهية الصلاحية، في ظل غياب الرقابة سواء على تلك الشركات أو على السوشيال ميديًا ما جعلها سوقًا مفتوحًا ورائجًا لتسويق كافة المنتجات ولو كانت ضارة.

بعض المصادر داخل شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية أشارت إلى أن عدم التزام شركات الأدوية بالاتفاقيات الموقعة بين نقابة الصيادلة والمصانع الكبرى بشأن تنظيف السوق من الأدوية منتهية الصلاحية، ورفضها تسلم الأدوية من الصيدليات أجبر الأخيرة على محاولة تسويقها بنفسها عبر بعض الصفحات على الإنترنت، وأن هذه الصورة من التسويق لتلك الأدوية باتت منتشرة بشكل مقلق خلال الأيام الماضية.

عناني: توجه جديد لدى بعض الشركات أو الصيدليات يتمثل في شراء الأدوية منتهية الصلاحية والتي يتم الترويج لها عبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، بأسعار منخفضة، ثم يتم إعادة تدويرها من جديد، وبيعها مرة أخرى.

الدكتور مجدي عناني، صاحب إحدى الصيدليات، أشار إلى أن هناك توجه جديد لدى بعض الشركات أو الصيدليات يتمثل في شراء الأدوية منتهية الصلاحية والتي يتم الترويج لها عبر صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، بأسعار منخفضة، ثم يتم إعادة تدويرها من جديد، وبيعها مرة أخرى.

عناني لـ”نون بوست” أوضح أن إعادة التدوير يشتمل على عدة محاور: الأول: تغيير تاريخ الإنتاج، حيث يتم مسح التاريخ القديم والرقم الكودي الخاص به، ثم إلصاق تاريخ حديث يضمن بقاء المنتج صالحًا لمدة زمنية كافية، الثاني: إضافة سعر منخفض على علبة الدواء مقارنة بسعرها الحقيقي في السوق، موضحًا أن السعر الجديد المطبوع على الدواء هو السعر القديم الذي كان معمولا به قبل رفع الأسعار، مايعطي انطباع لدى المشتري أن الصيدلية تبيع بالأسعار القديمة وهو ماقد يعزز من ثقة ومصداقية الصيدلية أو الشركة لدى المشتري.

كما أضاف إلى أن هناك ما يسمى بـ”السوق السوداء” في الأدوية حيث تلجأ بعض الصيدليات إلى بيع الأدوية منتهية الصلاحية أو التي قاربت على نهاية صلاحيتها ببيعها لبعض وكلاء التوزيع – غير المعتمدين – ممن يمتلكون منافذ بيع في مختلف محافظات مصر، لاسيما في المناطق النائية والأقاليم حيث يسهل بيع مثل هذه الأصناف بصورة كبيرة.

عشرات الصفحات على السوشيال ميديا لتسويق الأدوية منتهية الصلاحية

تسبب الوفاة

في بحث علمي نشره معهد الأمراض المعدية بالولايات المتحدة الأمريكي عام 1992، حذر من تناول الأدوية منتهية الصلاحية، حيث أشار إلى المخاطر الصحية الناجمة عن تعاطيها وفي مقدمتها أنها تقوم بتكسير كرات الدم البيضاء، وبالتالي تحطم جهاز المناعة بشكل كبير، وذلك بعد تدمير الصوديوم والبوتاسيوم فى خلايا الجسم، مما يؤدى لسرعة ضربات القلب فتحدث الوفاة، وهذا ما أشار إليه الدكتور أحمد فاروق، عضو مجلس نقابة الصيادلة بمصر.

فاروق في تصريحات صحفية له أرجع تزايد ظاهرة الأدوية منتهية الصلاحية إلى غياب الضمير لدى أصحاب شركات صناعة الدواء من جانب، وملاك الصيدليات من جانب آخر، وأن الهدف الرئيسي من ورائها هو مزيد من الربح وليس البيع بأسعار منخفضة للمواطن كما يحلو للبعض أن يبرر، مطالبًا بضرورة فرض المزيد من الرقابة وتغليظ العقوبة حفاظًا على حياة المواطن من تعاطي هذه الأدوية.

عضو مجلس نقابة الصيادلة: تعاطي الأدوية منتهية الصلاحية يتسبب في تكسير كرات الدم البيضاء، وبالتالي تحطم جهاز المناعة بشكل كبير، وذلك بعد تدمير الصوديوم والبوتاسيوم فى خلايا الجسم.

إلا أنه وفي المقابل، قلل الدكتور أحمد العزبي، رئيس غرفة صناعة الدواء، من الحملة على الأدوية منتهية الصلاحية، مشيرًا أن قرار الوزير سيتم فرضه على جميع شركات صناعة الدواء دون استثناء، وأن الأدوية التي سيشملها القرار تلك التي انتهت بالفعل تاريخ صلاحيتها المدون على الغلاف الرئيسي لعلبة الدواء وليس التي أوشكت على الانتهاء كما قال البعض.

 رئيس غرفة صناعة الدواء في مفاجأة مدوية أشار إلى أن الأدوية منتهية الصلاحية لا ضرر منها، وأن تعاطيها لا يؤثر على صحة الإنسان، خاصة أدوية الأقراص والتي تحتفظ بمدة صلاحية أكبر من غيرها من الأدوية، وهو مايتعارض بشكل كبير مع آراء الأطباء والصيادلة الأخرين.

الأدوية المغشوشة ملاذ الفقراء

الفقر الشديد وتراجع المستوى المعيشي في مقابل القفزات الجنونية للأسعار دفع بعض المصريين في كثير من الأحوال إلى اختيار السلع الأرخص ثمنًا حتى وإن كانت أقل جودة، لذا باتت تنتشر في الأسواق في الفترة الأخيرة ظاهرة عرض نوعين لنفس السلعة، وبأسعار مختلفة، وذلك حسب الجودة، فتجد مثلا “الخضروات” لها سعرين، سعر مرتفع للخضار الجيد الطازج، وسعر منخفض للخضار الأقل جودة، والملفت للنظر أن السلع الأقل جودة هي الأكثر مبيعًا.

وبالانتقال إلى سوق الدواء نجد أنه لا يختلف كثيرًا عن سوق الخضار، فهناك أدوية تباع بسعر مرتفع، ومقابلها بأسعار منخفضة، ويتوقف تحديد السعر على موطن الدواء واسم الشركة المصنعة وتاريخ صلاحيته، وهو ما ساهم بشكل كبير في ظهور سوق الأدوية المغشوشة.

ارتفاع أسعار الدواء في مصر خلال الفترة الأخيرة أكثر من مرة كان آخرها الزيادة التي تم إقرارها يناير الماضي بشأن 3000 صنف دواء، من أصلا 12000 صنف، حيث تم رفع أسعار الأدوية الأقل من 50 جنيه بنسبة 50%، والأدوية بين 50 جنيه و100 جنيه ستشهد زيادة قدرها 40%، والأدوية الأغلى من 100 جنيه ستشهد زيادة 30%، هذه الزيادة عززت خلق سوق مُوازٍ جديد لبيع أدوية مصنعة تحت “بير السلم” بلا مواصفات قياسية، ما كان له أبلغ الأثر في تهديد حياة المواطنين.

وبحسب مسئول ملف الأدوية بالمركز المصري للحق في الدواء، الدكتور كريم كرم، فإن نسبة الأدوية المغشوشة تصل إلى 20% من سوق الأدوية في مصر، بما يعادل ضعف النسبة التي أقرتها منظمة التجارة العالمية من إجمالي الأدوية في العالم وهى 10%، مرجعًا ذلك إلى غياب الرقابة وارتفاع أسعار الأدوية مما يضطر البعض للجوء لشراء أدوية مهربة أو مصنعة فى مصانع غير مرخصة.

كرم في تصريحات له أشار إلى أن تجارة الأدوية المغشوشة لا يتوقف فقط على المنافذ غير المعتمدة فحسب، بل تباع في الصيدليات الرسمية، مايحقق أرباحًا طائلة لصاحب الصيدلية، وهو ما تم رصده من قبل المركز المصري للحق في الدواء، وتم إبلاغ وزارة الصحة به للقيام بحملات تفتيشية رقابية لرصد تلك الأدوية.

نسبة الأدوية المغشوشة تصل إلى 20% من سوق الأدوية في مصر، بما يعادل ضعف النسبة التي أقرتها منظمة التجارة العالمية

وبالعودة إلى مسألة توظيف مواقع التواصل الإجتماعي وصفحات التسويق عبر الإنترنت في الترويج للأدوية منتهية الصلاحية أو المغشوشة، فقد حوًل جهازحماية المستهلك، مؤخرًا، مسئولي موقعي التسوق الإلكتروني “جوميا” و”سوق دوت كوم” إلى النيابة العامة، بناء على بلاغ ضدهما، جاء فيه أن الموقعين ارتكبا جرائم بيع أدوية ومكملات غذائية مهربة ومغشوشة وممنوعة عالميًّا، بالإضافة إلى انتحال وممارسة مهنة الصيدلة وبيع منشطات جنسية لا تصرف إلا بروشتة طبية، في مخالفة واضحة لنصوص المواد (24،6،1) من قانون حماية المستهلك رقم 67 لسنة 2006، والمادتين (17،16) من اللائحة التنفيذية للقانون.

وهكذا وجد المواطن المصري نفسه بين مطرقة الأزمة المعيشية التي يحياها والتي أثقلت كاهله بصورة باتت فيها صحته آخر ما يمكن أن يعتني به، في ظل ارتفاع جنوني لخدمات العلاج كلها، بدءًا من فاتورة الكشف، ووصولا إلى روشتة العلاج، وسندان جشع أصحاب شركات الأدوية ونصب الصيدليات التي عزفت على وتر حاجة المواطن للدواء المخفض وإن كان منتهي الصلاحية.