مرتبط
د. ابو غنيمة يستعرض تطور مهنة الصيدلة حضاريا وإنسانيا
نص المحاضرة التي قدمها د. احمد ابو غنيمة؛ رئيس تحرير مجلة علوم الصيدلة، في اليوم العلمي السادس للجنة الفرعية لصيادلة الزرقاء يوم السبت الموافق 20.4.2019.
بسم الله الرحمن الرحيم
عطوفة الزميل د. زيد الكيلاني نقيب الصيادلة
الزميلات والزملاء اعضاء المجلس
الزميل د. ايمن غيث رئيس اللجنة الفرعية لصيادلة الزرقاء
الزميلات والزملاء اعضاء اللجنة الفرعية لصيادلة الزرقاء
الزميلات والزملاء الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
إن الحديث عن مهنة الصيدلة ” حضارياً وإنسانيا”، حديث ذو شجون، ليس لانه حديث عن مهنة تطورت ونمت وازدهرت منذ عصور ما قبل التاريخ فحسب، وإنما يُضاف إليها انها مهنة لا تعرف الكلل او الملل، فهي مهنة انسانية يُبدع مزاولوها باكتشاف كل ما هو جديد في علوم الصيدلة ، وهذه من صلب مهام الصيادلة لخدمة الانسان صحيا وجسديا وعقليا.
ولعلي أقول ان مهنة الصيدلة وتطورها حضاريا وإنسانيا، تتفق شكلا وموضوعا مع بعض النظريات التي وضعها علماء الاجتماع لنشوء الحضارات، لأن الحضارة هي الوجهُ للآخر للإنسان؛ وبها يظهرُ مقدار قوّته، وضعفه، وتقدّمه، وهي إرثُ الإنسان المادي والمعنويّ الذي خلّفه في الماضي، والذي اعتمد عليه الإنسان لإكمال مسيرة حياته وتقدّمه الحالي، سواءٌ أكانت مظاهر معنوية كأسلوب الحياة، والمعيشة اليومية، والعلوم، والمعارف،
فمثلا نظرية ارنولد توينبي التي تقوم على مبداً ” التحدي والإستجابة”، حيث رأى ان الحضارات قد قامت بعد ان واجهت المجتمعات البشرية تحديات من الطبيعة، واستطاعت في نهاية الأمر السيطرة على الصعوبات البيئية التي واجهتها، ولعل المرض كان أكثر تحدٍ بيئي كان يواجه الإنسان في مراحل حياته منذ آلاف السنين.
واسمحوا لي بشكل سريع ان استعرض أمامكم محطات مهمة في مهنة الصيدلة على مر العصور:
– أول مصنف معروف للمواد الطبية كان “سوشروتا سامهيتا”،معاهدات الديانة الهندية ( فيدا) في القرن السادس قبل الميلاد.
– المعرفة الدوائية المصرية القديمة سجلت في عدة مدونات مثل مدونة إبرس (Ebers Papyrus) عام 1550 قبل الميلاد.
– أول كتيب صيني للعلاج كان لـ شينونج بينكاو جينج يعود إلى القرن الأول الميلادي.
– احتكر الكهنة في مصر القديمة ممارسة الطب والصيدلة في المعابد وبيوت الحياة الملحقة بها ويعد أمحوتب من أشهر ألأطباء مصر القديمة وصيادلتها في القرن 30 ق م. سجل قدماء المصريين خبرتهم بالأدوية على جدران المعابد والقبور وأوراق البردي، ومن أشهر هذه البرديات بردية ايبرس التي ترجع للقرن 16 ق.م.
– يعد الاغريق من أكثر الحضارات التي اثرت في تاريخ الطب واستفاد الإغريق كذلك من تراث من سبقوهم من شعوب العالم القديم في التداوي بالأدوية. واعتبروا الثعبان رمزا للحياة والحكمة والشفاء، وكان العشابون يجمعون أكثر العقاقير الطبية في الظلام، وفي أول الشهر القمري، وفقا لقواعد خاصة.
– في اليونان القديمة زمن أبقراط كان هناك مجموعة من الخبراء في النباتات الطبية” ولعل أهم ممثل لهم كان ديوكلس في القرن الرابع قبل الميلاد وقد اعتبر هو المصدر لكل العلاجيات الصيدلانية اليونانية.
– اشتهر من الأطباء الرومان المعالجين بالعقاقير اندروماك ” (20-70 ق.م)، “وديسقوريدس” (6-50 ق.م) الذي وضع كتابا في الأعشاب الطبية سماه (الحشائش) ذكر فيه 500 عَقّار نباتي. يعتبر أول من استعمل علم النبات كمادة علمية في تطوير مهنة الصيدلة وأول من وصف الأفيون وشجرة الخشخاش التي يأتي منها.
– وجالينوس أبو الصيدلة (130-201ق.م)، وله 98 كتاب في الطب والصيدلة. وديسقورديس ألـّف كتباً عديدة أهمها “الخشخاش” والتي ذكر فيها 500 دواء.
– شعر العرب منذ القرن الثاني للهجرة بأهمية علم الصيدلة في التجارب الطبية، كما اقتنعوا بأن معرفة الكيمياء أساسية في البحوث الصيدلية، وقد أكد برتيلو في كتابه “الكيمياء قي القرون الوسطى” أن كتب جابر بن حيان في الكيمياء هي غاية ما وصل إليه العقل الإنساني من الابتكار، وأن كل المشتغلين بهذا العلم من بعده كانوا عالة عليه. أول من اقام المستشفيات ونظم صناعة الادوية والأعشاب كان في العصر الأموي, وفي عهد الخليفة العباسي المعتصم ففرض تأدية امتحان في الطب والصيدلة وأجرى أول امتحان للصيادلة عام 221 هـ. كان المحتسب يحلف الأطباء والصيادلة السر المهني وهو أن لا يعطوا أحدا دواء مرا ولا يركبوا له سما ولا يصنعوا التمائم عند أحد من العامة، ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة ولا للرجال الدواء الذي يقطع النسل والغض عن المحارم وعدم إفشاء الأسرار والتوفر على جميع الآلات.
– كان علم الطب والتداوي عند العرب مزدهرا بينما كان الأوروبيون يجهلونه ويحتقرون اصحابه، حيث كانت الكنيسة قد حرمته عليهم وحصرت التداوي في زيارة الكنائس والاستشفاء بالتبرك بالقديسين والتعاويذ والرقى التي كان يبيعها رجال الدين.
– في بغداد تم تأسيس أول صيدلية في عام 753 ميلاديا أثناء فترة الخلافة العباسية في فترة العصر الذهبي للإسلام. ومع بداية القرن التاسع الميلادي كانت هذه الصيدليات منظمة بقوانين من الدولة.
أدى التقدم المحرز في الشرق الأوسط في علم النبات والكيمياء في العصور الوسطى إلى ابتكار علم الأدوية. على سبيل المثال، محمد بن زكريا الرازي (865 – 915) عمل على تطوير الاستخدامات الطبية للمواد الكيميائية. أبو القاسم الزهراوي (936 – 1013) يعتبر الرائد في تحضير الأدوية بالتسامي والتقطير. سابور بن سهل (المتوفى عام 869) كان أول طبيب وضع دستور للأدوية واصفا فيه أنواعا مختلفة من الأدوية لأمراض مختلفة. البيروني (973 – 1050) كتب أكثر الكتب الإسلامية قيمة في علم الأدوية بعنوان (كتاب الصيدلة)، حيث وضح فيه معلومات تفصيلية عن الأدوية، وحدد دور الصيدلية ووظائف وواجبات الصيدلي. ابن سينا أيضا وصف ما لا يقل عن 700 تركيبة مختلفة.
عميد الصيادلة
– كما قامت الدولة الإسلامية بتوظيف “عميد الصيادلة”، وقد وُسّد إليه مهام الإشراف الفني على صيدليات المدينة، وإجراء امتحانٍ للصيادلة ومنحهم الشهادات، وتصريح العمل بممارسة صنعة الصيدلة، بالإضافة إلى إعداد سجلات خاصة للصيادلة. وقد عُدّ عميد الصيدلة هذا، المرجعَ الأعلى فيما يستجد في ساحة العمل من الأمور المتعلقة بهذه المهنة. وأُلزم الأطباءُ لاحقًا، بكتابة ما يصفون من أدوية لمرضاهم على ورقة خاصة، عُرفتْ في الشام باسم “الدستور”، وفي العراق باسم “الوصْفة”، وفي المغرب باسم “النسخة”، وكان ذلك من إسهامات المسلمين في إنشاء علم الصيدلة على أسس علمية سليمة.
–
– الفصل بين الطب و الصيدلة
في القرن السابع عشر قام فريدريك الثاني امبراطور المانيا و مللك صقلية في ذاك الوقت باصدار المرسوم الاوربي الاول و الذي يقضي بفصل مسؤليات الصيدلي عن مسؤليات الطبيب وبذلك قدم فريدريك النموذج الاول للصيدلي الحديث
فكرة انشاء اول دستور للادوية
ظهرت الفكرة الاولي لانشاء اول دستور خاص للتركيبات الدوائية في مدينة فلورنسا بايطاليا.
أصدار اول دستورللأدوية
ظهر اول اصدار لدستور للأدوية بأمريكا عام 1820.
وختاماً،
يجب ان ننظر ليس فقط بفخر واعتزاز لما قدمه أجدادنا من علماء الصيدلة العرب والمسلمين من انجازات هي موضع افتخار لأمتنا فيهم على مر العصور، وإنما كحافز لكل واحد فينا ان نسير على خطاهم، فهم بدؤوا طريق العلم للحضارة العربية والإسلامية، ويمكننا نحن ان نسير على ذات النهج من التطور والتقدم الذي كنا روادا فيه قبل قرون عديدة، وهذه شهادة احد المستشرقين الاروربيين تؤكد ما أطلبه منكم، إذ يقول المستشرق الألماني “ فرانس روزنتال ” 1914-2003 ، في حديثه عن حضارة الإسلام: “إنّ ترعرع هذه الحضارة هو موضوع مثير، ومِن أكثر الموضوعات استحقاقًا للتأمل والدراسة في التاريخ. ذلك أن السرعة المذهلة التي تم بها تكوّن هذه الحضارة أمرٌ يستحق التـأمل العميق، وهي ظاهرة عجيبة جدًّا في تاريخ نشوء الحضارة وتطورها، وهي تثير دومًا وأبدًا أعظم أنواع الإعجاب في نفوس الدارسين. ويمكن تسميتها بالحضارة المعجزة، لأنها تأسست، وتشكلت، وأخذت صورتها النهائية بشكل سريع جدًّا ووقت قصير جدًّا، ويمكن القول إنها اكتملت وبلغت ذروتها حتى قبل أن تبدأ”.