مرتبط
د. راتب الحنيطي يكتب: المرأة التي أنقذت أطفال الولايات الأمريكية من خطر دواء ثاليدومايد
تم تطوير دواء ثاليدومايد thalidomide في العام 1953 م ، لشركة قروننثيال الالمانية Grunenthial ، وتم طرحه في اسواق المانيا الشرقية في العام 1957م ، كدواء منوم ومهدئ ، وانتشر الدواء وأخذ سمعة شعبية واسعة بين الكبار والصغار ، وخصوصا أنه – كما تدعي الشركة الصانعة – له درجة عالية من الامان ولا ينطوي على استخدامه أي مضاعفات وكان يباع بدون وصفة طبية.
ومما ساعد على ظهور مآسي انسانية ، هو استخدامه من قبل السيدات الحوامل لما للدواء من خصائص تتمثل في منع الغثيان والاقياء عند السيدات الحوامل وخصوصا تلك التي تحدث في الفترة الصباحية.
استطاعت الشركة الصانعة ادخال الدواء الى الاسواق الاوربية بكل يسر وسهولة ، والسبب طبعا هو ضعف ونقص في تعليمات وشروط متطلبات طرح الادوية في الاسواق آنذاك.
اتجهت أنظار الشركة الى الاسواق الامريكية ، وتقدمت بطلب الى ادارة الغذاء والدواء الامريكية FDAيتضمن السماح بتداول دواء ثاليدومايد فيها من خلال شركة التوزيع الامريكية للأدوية William S Merrell Company في ولاية أوهايو الامريكية، وكان هذا في أواخر العام 1960م . وقامت الشركة باستيراد ما يقارب خمسة أطنان من دواء ثاليدومايد في مستودعاتها ، ظنا منهم أن تسجيل الدواء امرا طبيعيا وميسرا ، ولا يحتاج الى كثير من الوقت ، وخصوصا أن الطلب مرفق معه وثائق تبين تسجيله في معظم الدول الاوروبية.
تم اختيار الموظفة حديثة العهد في FDA الدكتورة Frances Oldham Kelsey بتولي مهام دراسة الملف الفني المقدم للادارة من اجل طرح دواء ثاليدومايد في السوق الامريكي،
الدكتورة F. Kelsey مواليد كندا عام 1914م، حاصلة على دكتوراه في علم الادوية ، وكان أحد أوراقها العلمية أثناء دراستها تتحدث عن حدوث تشوهات لدى أجنة حيوانات التجارب عند استخدام دواء Quinine المضاد للملاريا.
لاحظت الدكتورة Kelsey أن الملف المقدم ينقصه معلومات كثيرة ، مثل دراسات السمية المزمنة وتأثيره على الاجنة ، حيث طلبت المزيد من الدراسات ، واستغلت الدكتورة هذه الفترة بالبحث الموسع عن الدواء ، فوقع تحت أنظارها تقرير في المجلة الطبية البريطانية الشهيرة BMJ تفيد بأن الدواء يتسبب باعتلالات عصبية طرفية peripheral neuritis لدى مستخدمي هذا الدواء في البلدان الاوروبية.
ورغم الضغوطات الكبيرة من قبل الشركة في تسهيل طرح الدواء في السوق، الا ان الدكتورة Kelsey أصرت على اتمام الملف الفني بالوثائق المطلوبة، في هذه الاثناء توالت الانباء عن ظهور تشوهات مأساوية لاطفال كانت امهاتهم يتناولن دواء ثاليدومايد، وتتمثل هذه التشوهات بعدم وجود أو قصر الأطراف (أيدي أو أرجل أو كليهما ) في ظاهرة سميت Phocomelia ( شبيه بأطراف الفقمة ) حيث المقطع phoco الفقمة ، والمقطع Melia تعني أطراف. وايضا حدوث تشوهات أخرى في القلب وغيرها.
تحدثت الاحصائيات عن ما يقارب عشر الاف طفل مشوه ، أما في امريكا فكان هناك سبعة عشر طفلا مشوها ، لامهات كن خارج البلاد أو بسبب العينات المجانية لدى الاطباء الذين حصلوا عليها من الشركة الصانعة.
على ضوء ذلك تم تكريم الدكتورة Kelsey من قبل ادارة الرئيس الامريكي جون كنيدي ، وأعطيت لقب السيدة المشهورة لعام 1962م في أمريكا. كما تقدمت في مناصبها الادارية في FDA .
توفيت في العام 2015م عن عمر يناهز 101 عاما.
الصيدلاني راتب الحنيطي