د. محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة .. مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية

د. محمود الخالدي يكتب: التحول الرقمي في مهنة الصيدلة .. مقاربة تنظيمية متوازنة بين التطوير التقني والحوكمة المهنية

الدكتور محمود الخالدي

يشكل التحول الرقمي أحد أبرز مسارات التطوير في الأنظمة الصحية الحديثة، لما يوفره من أدوات لتحسين الكفاءة، وتعزيز الرقابة، ودعم اتخاذ القرار. غير أن تطبيق هذا التحول في المهن الصحية المنظمة، وعلى رأسها مهنة الصيدلة، يقتضي مقاربة دقيقة تراعي خصوصية العمل الصحي، وطبيعة القرار المهني، والمسؤولية القانونية والأخلاقية المرتبطة مباشرة بصحة المريض.

وفي هذا السياق، يبرز أحيانًا نقاش عام حول الرقمنة والأتمتة، يختلط فيه المفهومان، الأمر الذي يستدعي توضيحًا علميًا وتنظيميًا هادئًا، لا بهدف الاعتراض على التطوير أو مقاومة الحداثة، بل بهدف ضمان أن يكون التحول الرقمي أداة لتعزيز جودة الرعاية الصحية وحماية المريض، لا مدخلًا لإضعاف الممارسة المهنية أو تشويهها.

إن رقمنة مهنة الصيدلة تعني توظيف التقنيات الرقمية لدعم وتنظيم وتوثيق الممارسة الصيدلانية ضمن إطارها التشريعي القائم، ويشمل ذلك السجلات المهنية الإلكترونية، والخدمات النقابية الرقمية، والوصفات الإلكترونية، والربط الإلكتروني بين الصيدليات والمستودعات، وتطوير جودة الخدمات الصيدلانية، وتتبع الأدوية ومراقبتها، إضافة إلى تسهيل الوصول إلى المعرفة وتحفيز مواكبة المستجدات العلمية عبر منصات التعليم المستمر الإلكترونية. وفي هذا السياق، تبقى الرقمنة أداة مساندة للقرار الصيدلاني، لا بديلاً عنه، ولا تمس جوهر الدور المهني للصيدلي المرخص أو مسؤوليته القانونية.

كما أن الرقمنة، بطبيعتها، منظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة، تبنى بصورة متسقة ومنسجمة عبر مختلف مراحل العمل المهني، ويعد هذا التكامل بين المراحل شرطًا أساسيًا لنجاح أي تطبيق رقمي وتحقيق أهدافه الصحية والتنظيمية.

أما الأتمتة، فهي تحويل إجراءات محددة إلى عمليات آلية تقلل التدخل البشري. ورغم ما تحققه من كفاءة في الجوانب الإدارية واللوجستية، إلا أن امتدادها إلى القرارات الصحية المهنية يستدعي أعلى درجات الحذر، نظرًا لما قد يترتب عليه من آثار تتعلق بتحديد المسؤولية والمساءلة القانونية ومأمونية استعمال الدواء. ومن الأمثلة غير الجائزة في أتمتة الممارسات الصيدلانية الاعتماد على برمجيات تتخذ قرار صلاحية الدواء للمريض دون تقييم مهني مباشر، أو تشغيل أنظمة صرف آلية دون إشراف صيدلي مرخص ومسؤول، أو منصات رقمية تعتمد الموافقة على العلاج دون توفير استشارة صيدلانية مؤهلة.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: