مرتبط
الغموض البيولوجي الطويل حول شكل الحمض النووي تم حله
الملخص: عند تمدد الحمض النووي خارج خلايا أجسامنا قد يصل إلى كوكب بلوتو! فكيف لكل خلية صغيرة أن تتسع لمترين من الحمض النووي داخل نواة ينحصر حجمها في 1000 ملم ؟ إن الإجابة على هذا اللغز العظيم أمر أساسي لفهم كيفية تأثير التنظيم ثلاثي الأبعاد للحمض النووي في النواة على تكويننا الحيوي، فكيف ينظم الجينوم نشاطنا الخلوي و كيف تنتقل الجينات من الآباء إلى الأطفال ؟
عند تمدد الحمض النووي خارج خلايا أجسامنا فقد يصل إلى كوكب بلوتو! فكيف لكل خلية صغيرة أن تتسع لمترين من الحمض النووي داخل نواة ينحصر حجمها في 1000 ملم ؟
والإجابة على هذا اللغز البيولوجي العظيم هي أساس لفهم كيفية تأثير التنظيم الثلاثي الأبعاد للحمض النووي داخل النواة وكيفية تنظيم الجينات داخلنا وحتى كيفية انتقالها للأجيال الأخرى .
قدم العلماء الآن في معهد سالك و جامعة كاليفورنيا- سان دييغو هيكل ثلاثي الأبعاد لم يسبق تقديمه يمثل كروماتين “chromatin” الإنسان “بروتينات + حمض النووي ” داخل أنوية الخلايا الحية.
في دراسة نُشرت في السابع و العشرين من يوليو لهذا العام 2017 حدد باحثو معهد سالك صبغة للحمض النووي عندما تتحد مع المجهر المتقدم ومع تقنية يطلق عليها ” ChromEMT ” فهي تسمح بمشاهدة عالية الدقة لتركيب الكروماتين في الخلايا في حالتها المستقرة ، وفي مراحل الانقسام عبر الكشف عن شكلها داخل خلية حية، ومن خلال هذا الاكتشاف ربما سيتم إعادة كتابة المناهج الدراسية التي كانت تصف الحمض النووي بشكل معين وتغيير منهجية البحث في علاج الأمراض .
كما قال الدكتور المشارك كولداغ أوشيا الباحث في المعهد الطبي “Howard Hughes” : “واحدة من أصعب التحديات في علم الأحياء هي اكتشاف تنظيم الحمض النووي داخل النواة وكيفية ارتباط وظيفته مع الجينوم البشري حيث أن الأهمية لهذا تكمن في أهمية الصلة بين شكل الحمض النووي ونشاط ووظيفة الجينات ” .
منذ أن حدد قديماً العالمان فرانسيس كريك وجيمس واتسون البنية الأولية والأساسية للحمض النووي ليكون حلزونيا مزدوجا (double helix) تساءل العلماء عن كيفية تنظيم الحمض النووي وتكدسه داخل النواة بحيث يمكن لعمليات النسخ داخل الخلية أن تصل لها في نقاط متغايرة على مستوى الحمض النووي كامل .
وأوضحت الأشعة السينية و المجاهر أن المستوى الأساسي في تنظيم الكروماتين أنه ينطوي على 147 قاعدة من الحمض النووي مرتبطة مع البروتينات لتشكل جسميات قطرها حوالي 11 نانومتر تسمى “nucleosomes ” ، هذه الجسميات تعتبر وحدة التركيب البنائي للكروماتين فهي تلتف في ألياف إلى أقطار متزايدة الطول (30، 120، 320 نانومتر …) إلى أن تشكل الكروموسوم كامل وبذلك يكون الترتيب حسب الأكبر حجماً (كروموسوم – كروماتين – نيوكليوسوم) .
المشكلة تكمن في أنه لم يتم مشاهدة الكروماتين وهو بهذا الحجم في خلية حية لم يتم تفكيك أجزاءها أو معالجة حمضها النووي بشكل عميق لذلك يظل شكل الحمض النووي المتواجد في المناهج غير مؤكداً بالنسبة للخلايا الحية الغير معالجة .
وللتغلب على مشكلة رؤية الكروماتين في خلية سليمة اختبر فريق د. أوشيا العديد من الصبغات التي من المحتمل أن تصبغ الكروماتين ليصبح مضيئاً داخل الخلية بعد خضوعها للعديد من التفاعلات الكيميائية التي من شأنها أن تصبغ سطح الحمض النووي مع المعدن بحيث يمكن مشاهدة موقعها وشكلها ثلاثي الأبعاد في خلية حيه .
وبذلك شارك الفريق مع جامعة كاليفورنيا- سان دييغو مع البروفيسور و أستاذ المجاهر مارك إليسمان لاستغلال تقدم المجهر الإلكتروني الذي يضع العينات في حزمة إلكترونية مما يتيح إعادة بناء الشكل ثلاثي الأبعاد وتم تسمية هذه التقنية التي تجمع صبغة الكروماتين مع المجهر الإلكتروني (ChromEMT).
الفريق استخدم ChromEMT لتصوير وقياس الكروماتين في خلية الإنسان المستقرة وخلال مرحلة الانقسام (mitosis) التي يكون تحزم الحمض النووي بها في أقصى حالاته التي تتكون من 23 زوجا من الكروموسومات ، ولم يتمكنوا من رؤية الحمض النووي المتعارف عليه و الذي يتم دراسته في المناهج حالياً .
يقول الباحث هونج أوو : ” أن النموذج الهيكلي في المنهج الدراسي ما هو الا رسم كاريكاتوري ” الكروماتين المستخرج من النواة والمعرض لمعالجة خارج الجسم ( في المختبر داخل أنابيب الاختبار) قد لا يبدو مثل الكروماتين في الخلية السليمة لذا من المهم للغاية أن تكون قادراً على رؤيته داخل الجسم .
ما رآه فريق البحث في كلتا حالتي الخلية ( حالة الانقسام والسكون ) أن الكروماتين لم يشكل أي هيكل تنظيمي في الأطوال التالية (30-120-320 نانومتر) ، و بدلاً من ذلك تشكلت سلسلة شبه مرنه والتي قيست بصعوبة على مدى طولها بنحو متباين بطول 5-24 نانومتر فقط حيث كانت ملتفه و منحنيه لتحقق مستويات مختلفة من الكثافة ( تجمعها بجانب بعضها لتصغير حجمها ليناسب النواة) .
هذا يقود إلى أن هذه هي كثافة الكروماتين نفسه وليست كثافة هيكل تنظيمي آخر و هذا يحدد أي المناطق في الجينوم هي النشطة وأي منها غير نشط .
استطاع الفريق التحرك عبر التفافات ومنعطفات الكروماتين بحجم 250 نانومتر في 100 نانومتر في 100 نانومتر بواسطة التعديلات التي أضيفت للمجهر ثلاثي الأبعاد ، وتصور كيف أن جزيء كبير مثل ال RNA polymerase (والذي يقوم بنسخ الحمض النووي DNA ) يمكن أن يوجَّه عبر التحزم الكثيف المتفاوت للكروماتين ليصل الى نقطة معينة من الجينوم البشري .
إلى جانب تغيير الشكل المتعارف عليه للحمض النووي في المناهج الدراسية و الكتب العلمية أشارت نتائج الفريق أن التحكم في الوصول إلى الكروماتين ربما يكون نقطة تحول ونهج متبع لمنع وتشخيص و علاج أمراض مثل السرطان .
كما أشير أيضا الى أن الكروماتين لا يحتاج الى تكوين هيكل تنظيمي ليتناسب مع تواجده داخل النواة ،إن الكثافة التي يتجمع بها هي التي تستطيع أن تغير و تحد من إمكانية الوصول الى نقاط الكروماتين الرئيسية بحيث توفر الأساس الهيكلي الفرعي والرئيسي من خلال مجموعات مختلفة من تسلسل شفرات الحمض النووي ، التفاوت و التعديلات في النيوكليوسوم – nucleosome بإمكانها أن تدمج مع النواة لتنظم النشاط الوظيفي و إمكانية الوصول من الجينوم بداخلنا .
العمل المستقبلي سيختبر أي من أشكال الكروماتين هو الشامل لجميع أنواع الخلايا أو حتى الكائنات الحية .
ترجمة : نوف عبيري