مرتبط
كورونا،،، الاستراتيجية الأردنية !.. بقلم : د. معين الشريف*
منذ الحالات الأولى لفايروس كورونا في الاردن اتخذت الحكومة الأردنية و بناءاً على (توصيات) لجنة الأوبئة إجراءات صارمة لمكافحة الفايروس، فكانت الإغلاقات الأشد على مستوى العالم و التي بدأت بثلاثة ايامٍ من الحظر الشامل كان لها ان تمتد لأكثر من ذلك لولا واقعة توزيع الخبز التي اعادت الحكومة الى رشدها.
رغم ذلك فان مستوى اعادة فتح الاقتصاد كان تدرجه متأخراً و لعل البعيد عن الواقع الاردني كان ليعتقد ان حالات كورونا في الاردن بالآلاف نتيجة شدة الإجراءات .
إذاً الاستراتيجية الأردنية لمكافحة الفايروس باتت واضحة و هي تعتمد على الإغلاقات و الحجر و العزل على مساحة تراب الوطن و لكن هذه الاستراتيجية طرحت مجموعة من التساؤلات و الملاحظات وجب على مسؤولي ملف كورونا الإجابة و التعليق عليها:
– ما هو الهدف النهائي لهذه الاستراتيجية ، هل هو صفر حالات ؟ و هل هذا هدف واقعي يمكن الوصول اليه من خلال الإغلاقات ؟ شخصياً اعتقد ان (صفر حالة) هو هدف مستحيل عن طريق الإغلاقات و لكن قد نصل اليه ربما خلال أسابيع او اشهر من خلال دورة حياة الفايروس و التي لا بد لها من ذروة ثم يضعف الى الدرجة الذي لا يصبح مُمرضاً.
-كثير من الدول وضعت (تسطيح المنحنى الوبائي) كهدف لتخفيف الإغلاقات كما يحدث حالياً في أوروبا و قريباً في الولايات المتحدة الأمريكية ، و لكن ما هو الواقع اردنياً ؟ لماذا لا يكون تسطيح المنحنى الوبائي هو الهدف؟ السؤال الأكثر أهمية هو هل هناك منحنى وبائي في الاردن ؟ عدد الحالات المكتشفة بالأردن خلال شهرين لم يتجاوز ال ٥٥٠ حالة ، فلذلك و من الأساس لم يتشكل في الاردن منحنى وبائي حتى نضع (تسطيح المنحنى )كهدف للاستراتيجية الأردنية ، فالمنحنى الاردني ولد مسطحاً و هذا ما خلق حالة ارباك احصائية مع ظهور الحالات المرتبطة بسائق (الخناصري ) بحيث تغير (ما يسمى بالمنحنى الوبائي اردنياً) و عاد للارتفاع و بالتالي فان غير العالمين بتفاصيل الجائحة وضعوا قلوبهم على أيديهم و بتنا نسمع عبارات مثل (عدنا للمربع الأول)(رجعنا للصفر ) (السائق رمانا بحوض النعنع) و لكن كل هذه العبارات هي خارج السياق الصحيح علمياً و طبياً و على ما يبدو ان هناك من يعمل على توظيف الجائحة لاهداف سياسية و اقتصادية و يريد ان يُبقي حالة الخوف و الترقب لدى الأردنيين على مستوى معين .
-هناك من يقول بان الهدف من الإغلاقات الشديدة هو تقليل الإصابات حتى لا يشكل ذلك ضغطاً على القطاع الصحي ، و لا اعرف عن اي ضغط يتحدثون فالقطاع الصحي الاردني يعمل حالياً بأقل من ١٠٪ من قدرته على استيعاب المرضى ، قد نقبل استراتيجية الإغلاقات عندما يتم اشغال اكثر من ٧٥٪ من القدرة الاستيعابية للقطاع الصحي ، و على الجميع ان يعرف ان اكبر عدد من مرضى كورونا تواجد في المستشفيات في وقت واحد لم يتجاوز ال ٣٠٠ مريض و هذا العدد يتضمن كل الحالات المشخصة مخبرياً حتى تلك التي لم يظهر عليها الأعراض اخذين بعين الاعتبار بان مستشفيات القطاع الخاص لم تدخل على مسار الجائحة حتى الان.
-ربما يكون موضوع الإغلاقات المشددة مبرراً أيضاً في حالة قرب تصنيع مطعوم او دواء (خلال شهرين على سبيل المثال) و لكن لنكن واضحين فالواقع يقول بان لا دواء و لا مطعوم قبل نهاية هذا العام ،هذا في حال قدمت السلطات الصحية في اميركا و أوروبا تسهيلات لشركات الأدوية حتى تسرع تسجيل اي دواء او مطعوم جديد دون متطلبات مشددة و هنا اود ان اوضح لغير العارفين بالقطاع الدوائي بان اكتشاف اي دواء و تجريبه قد يحتاج من ١٠ الى ١٥ حتى يطرح بالأسواق مع وجود بعض الاستثناءات لأدوية الأورام و بعض الأدوية التي تخص الأمراض النادرة و قد يكون كورونا استثناءاً جديداً أيضاً يضاف لهذه القائمة. و لكن من المهم ان نوضح بان جميع الأدوية التي تم الإعلان عنها لمعالجة كورونا هي أدوية موجودة في السوق أصلاً و إنما تستخدم لاستطبابات أخرى، اذا نحن بعيدون جداً عن اكتشاف دواء جديد و لكننا اقرب للمطعوم و الذي قد يحتاج لأكثر من عام حتى يتم إنتاجه بكميات تجارية.
-ان كانت الاستراتيجية الأردنية أخذت موضوع المطعوم بالحسبان فما هي خطتها لتوفير المطعوم ، ، و هل رصدت التمويل اللازم لتوفيره (اكثر من ١٠٠ مليون دينار سنوياً) ام انها حددت فئات مجتمعية لأخذه مثل كبار السن و اصحاب الأمراض المزمنة و يترك الشباب و صغار السن لمناعة القطيع كونها الفئة الاقل تأثراً بمضاعفات الفيروس و لاحظوا اننا قد نضطر للعودة لاستراتيجية مناعة القطيع لعدم توفر المال او الكميات الكافية من المطعوم .
-دعوني أضع الحكومة امام سيناريو متوقع و قريب و هو قيام عدد كبير من دول العالم بفتح مطاراتها و البدأ بتسيير رحلات طيران مع العلم هذه الدول لم تصل لصفر حالة ، هل سنبقى أجواؤنا و مطاراتنا مغلقة ؟ ماذا سنقول للأردنيين الذي عادوا للأردن و وجب ان يغادروا للبلدان التي يدرسون بها ؟ ماذا سنقول للأردنيين الذين يعانون من الحظر و الحجر في بيوتهم في الوقت الذي يدخل الآلاف عبر المطارات و المعابر البرية و البحرية ؟ ام اننا سنبقي البلد مغلقاً خوفاً من تسلل الفايروس مرة أخرى ؟
هذه مجموعه من التساؤلات و الملاحظات امام واضع الاستراتيجية الأردنية لمكافحة فايروس كورونا و هي لا تهدف الى الانفتاح بشكل غير مدروس و لا ارمي من خلالها التقليل من خطورة الجائحة إنما احث صاحب القرار الى ان يكون له هدفاً واضحاً و معلنا و عدم العبث بوعي المواطنين و مشاعرهم حتى نكون شركاء حقيقيين بالمغنم و المغرم.
*صيدلاني و خبير بالأمراض المعدية