مرتبط
د. عامر شيحة يكتب: سبب التدهور السريع و الوفاة لبعض مصابي الكورونا دون غيرهم
(الجزء الثاني من مقالة فيروسات كورونا و قوة جهاز المناعه في التصدي )
بعض مصابي فايروس كورونا المستجد coved 19 بالكاد تظهر عليهم الأعراض و يتماثلون للشفاء التام بدون معاناه , بينما يعاني اخرون من اعراض متوسطة الى شديده قبل الشفاء , لكن هناك نسبة من المرضى المصابين بنفس الفايروس يعانون من الاعراض الوخيمه للمرض و يموتون , لماذا ؟
بلا شك ان كبار السن و مرضى الرئة و القلب و الشرايين و السرطان و الامراض المزمنه هم اكثر عرضه لمضاعفات المرض , و تزداد نسبة الوفيات كلما تقدم العمر , لكن لماذا تسبب الفايروس بوفاة نسبة من الشباب الأصحاء أيضا ؟
تشير الادلة المتوفرة إلى أن أهم سبب من اسباب التدهور السريع و الوفاه لبعض مصابي فايروس كورونا المستجد هو خلل في الاستجابه المناعية و حدوث العاصفة الالتهابية المشهوره بإسم (عاصفة السايتوكاينز) فما هي و لماذا تحدث ؟
عاصفة السايتوكاين Cytokine Storm:
Cytokine Storm Syndrome) ) و هي رد فعل كارثي و مفرط لجهاز المناعة نتيجة الاصابة بفايروس كورونا المستجد او الانفلونزا و الذي يحدث بسبب فرط انتاج السيتوكينات ( Cytokines ) التي تؤدي الى حدوث توسع في الاوعية الدمويه و ازدياد نفوذيتها و ارتشاحها و انخفاض ضغط الدم و تجلط الدم و فشل متعدد لأجهزة الجسم و الوفاه في الحالات الشديده , و للحديث عن هذه العاصفه لا بد من معرفة ماهية السيتوكينات.
السيتوكينات Cytokines :
السيتوكينات او السايتوكاينز هي بروتينات مناعية تنتجها بعض الخلايا و على رأسها الخلايا المناعية التي تحدثنا عنها سابقا , و لها دور كبير في التواصل بين الخلايا المناعية و تنظيم الجهاز المناعي , و هي الاشارات الكيميائية التي تحفز و تفعل الخلايا المقاتله و تستدعيها عند الحاجة و تنظمها, فهي نداء الاستغاثه و لغة التواصل بين الخلايا للدفاع عن الحياة قبل فوات الاوان .
و للسيتوكينات عدة مجموعات رئيسية نذكر منها :
Interleukins (IL) , Interferons ( INF) , Tumour Necrosis Factor (TNF) .
و ينبثق عنها عدد كبير من السيوكينات حيث توصف بإسم شبكة السيتوكينات , حيث يخرج كل نوع منها من خلايا مناعيه معينه و يذهب للتأثير على خلايا مناعيه اخرى , في توازن دقيق للغايه .
و لكي ندرك أهمية التوازن الدقيق في عمل السيوكينات , لان اي خلل يحدث فيها عند الاستجابة المناعيه , سيؤدي الى احتمالية وفاة المريض بفايروس كوفيد 19 و غيره من بعض الامراض الالتهابية , لا بد من تقسيمها الى نوعين رئيسيين من حيث الوظيفة :
1) السيتوكينات المحفزه على الالتهاب Pro-Inflammatory Cytokines:
و هي الانواع التي تحفز على الالتهاب و هجوم الخلايا المناعية على الهدف.
و من الامثله عليها IL-6 , IL8 , IL1 beta , IFN-gamma, TNF-alpha
2) السيتوكينات المضادة للإلتهاب Anti-Inflammatory Cytokines :
و هي الانواع التي تضبط عمل السيتوكينات المحفزه على الالتهاب و تكبح مفعولها و توقفها عند الحاجه لمنع حدوث فرط انتاج و تحفيز للخلايا المناعيه للحد الكارثي و من الامثله عليهاIL-4 , IL-10 , IL-11 , IL-13 , IL-1 R- antagonist
* ان التوازن بين السيتوكينات المحفزه و السيتوكينات المضاده يحدث القوة و التوازن المناعي في التصدي لجميع الممرضات الغازية , و اي خلل في هذا التوازن ستكون عواقبه وخيمه و ستؤدي الى حدوث عاصفة السايتوكاين و تدمير الانسجه و الوفاه.
و يعتبر IL-6 من السيتوكينات التي تحمل طبيعة مزدوجه , و فرط انتاجه من مظاهر العاصفة الالتهابيه , و هو مسؤول عن ارتفاع درجة حرارة الجسم حيث لديه امكانية اختراق الحاجز الدموي الدماغي و التأثير على تحت المهاد , و هو مثبط للخلايا التائية المنظمه Regulatory T cells الضرورية لمنع الخلايا التائية القاتله من مهاجمة انسجة الجسم , و ايضا محفزا للخلايا التائية القاتله , و الخلايا البائية , ومن علامات فرط انتاجه يمكن قياس مستوى كل من :
C – reactive protein, ferritin , fibrinogen
حيث انه يعمل على زيادة انتاجهم .
و قد لوحظ في الحالات الشديده المصابه بكوفيد 19 ارتفاع ملحوظ لنسبة IL-6 الامر الذي يؤدي الى فرط نشاط الخلايا المناعية و تكوينها , و هي بدورها تنتج المزيد و المزيد من IL-6 مع عدم كفاية السيتوكينات المضادة للالتهاب مثل IL-10
و الذي يعاكس IL-6 في المفعول , الامر الذي يؤدي الى تسارع وتيرة الالتهاب.
فشل التنفس و الموت هو المصير المحتمل للمصاب بعاصفة السايتوكاين
لا أحد يعلم مسبقا انه في بعض الحالات سيسلك جهاز المناعه ردة فعل غير طبيعيه و عنيفه تجاه الاصابه بالفايروس , و يبدأ بإنتاج هذا الكم الهائل من السيتوكينات المحفزه و بخاصه IL-6 , فيدخل المريض في حالة Severe Stage حيث يشتد التهاب الحويصلات الهوائيه , و تبدأ خلايا Fibroblast الرئوية بتصنيع الكولاجين و Extracellular Matrix في منطقة تبادل الغازات و يحصل تليف Fibrosis سريع و غير مسبوق , و في غضون ايام قليله يدخل المريض في حالة فشل التنفس. و حرمان الجسم من الاوكسجين , و ايضا يحدث ذلك من خلال اصابة خلايا الحويصلات الهوائيه ( Type 2 Alveolar cells ) و افقادها المرونه بسبب تعطيل عمل Pulmonary surfactant , و كذلك تصاب الاوعية الدمويه و ذلك يؤدي الى احداث عمليه التهابيه كبيره فيها و ارتشاح السوائل الى داخل الرئة و حدوث الجلطات و التخثرات الدموية , و هذا يعتبر ايضا احدى مسببات التدهور السريع و الوفاة عند نسبة قليله من مجموع مصابي كوفيد 19 .
و في العاصفه الالتهابيه لا يكون الامر محصورا في الرئتين , بل تصيب القلب و تتلف الكلى و الكبد و فشل الاعضاء المتعدد .
لذلك تعتبر الادوية المثبطة لمستقبلات IL-6 ضرورية في معالجة مرضى كورونا الذين يدخلون المرحله الحرجه الناجمه عن عاصفة السايتوكاين و ابرزها :
Tocilizumab ( Actemra) و هو الدواء الفعال في معالجة بعض انواع امراض المناعه الذاتيه و ابرزها التهاب المفاصل الروماتيزمي , و تجري الدراسات حول تأثيره في إخماد عاصفة السايتوكاين لدى مرضى كوفيد 19 .
تقوية جهاز المناعه ينقذ الحياة من مخاطر و مضاعفات الاصابة بفايروس كورونا :
جهاز المناعه قوي و قادر بآلياته الكثيره و المعقده من التصدي لفايروس كورونا المستجد , و هذا ما حصل فعلا عند غالبية المصابين بهذا الفايروس , حيث تحقق الشفاء لهم على الرغم من عدم ثبوت علاج فعال بشكل واضح ضد الفايروس لغاية الان , و قد سجلت حالات شفاء لبعض المرضى منزليا في بعض الدول بدون تدخل طبي , لكن هذا لا يعني ان هذا التصرف صحيح , اذ يجب ان تكون معالجة المرضى في اقسام العزل في المستشفيات لضمان عدم انتشار المرض و ضبط العدوى , و لضمان عدم تدهور الحالة المرضيه للمصابين , و يبقى فايروس كورونا المستجد قاتلا لنسبة من اعداد المرضى , و للأسباب التي ذكرناها.
و الى حين انتاج اللقاح المحصن ضد فايروس كورونا , تبقى الوقايه و تقوية المناعة هما الخياران الوحيدان للحفاظ على حياة الانسان من هذا الوباء.
المناعه القويه :
المناعه القويه هي ليست فقط قدرة و قوة الخلايا المناعية البيضاء بمختلف انواعها و ادوارها , و انما هي التوازن في القدرة المناعيه , و عندما يفقد جهاز المناعه قدرته على السيطره و ابقاء حالة التوازن بين السيتوكينات المحفزه على الالتهاب و السيتوكينات المضاده للالتهاب ستحدث امراض المناعه الذاتيه مثل امراض الروماتزم و الصدفيه و صمامات القلب و الغده الدرقيه و التصلب اللويحي المتعدد و غيرها , و سيحدث ايضا عاصفة السايتوكاين في حالة الاصابه بفايروس الكورونا عند بعض المرضى , لذلك يجب التركيز الان على العوامل التي تقوي و تعدل الجهاز المناعي.
اهمية فيتامين D في تقوية جهاز المناعه و خطورة نقصه :
يعتبر فيتامين دال معدلا مناعيا Immunomodulator , و يلعب دورا عظيما عظيما و مباشرا في قوة جهاز المناعه , حيث تحتوي الخلايا المناعيه البيضاء مثل
T cells , B cells , Macrophage على مستقبلات خاصه لفيتامين D .و اثبتت الدراسات ان انخفاض مستوى فيتامين D يؤدي الى زيادة الاصابه بمختلف الامراض و الالتهابات البكتيريه و الفايروسيه و الفطريه و امراض المناعه الذاتيه , و ان رفع مستوياته ضمن الحدود الطبيعيه يقلل من حدوث الالتهابات التنفسيه مثل الانفلونزا و الكورونا و غيرها من الامراض , كما انه يقلل من احتمالية حدوث العاصفه الالتهابيه , لان فيتامين D يعتبر معدلا مناعيا هاما يعمل على زيادة السيتوكينات المضاده للالتهاب و يقلل من السيوكينات المحفزه على الالتهاب.
و نحن نعتبر بان الجائحه الحقيقيه هي جائحة نقص فيتامين D , حيث يعاني معظم الناس حاليا إما من نقصه او عدم كفايته .
اهمية فيتامين C في تقوية جهاز المناعه :
يعتبر فيتامين سي بالغ الاهميه و تقوية جهاز المناعه و مكافحة العدوى فهو مضاد للأكسده و يعمل على التخلص من الجذور الحره التي تغزو الخلايا و تتلفها . كما يعزز فيتامين سي من قدرة الخلايا اللمفاوية البائية و انتاجها من الاجسام المضاده , كما يعزز من الخلايا التائية , و يعزز من حركة الخلايا المناعيه المتعادله Neutrophils و يعزز من قوتها. و فيتامين سي من الفيتامينات الذوابه في الماء لذلك يجب تناوله بشكل يومي من مصادره الطبيعيه .
اهمية الزنك في تقوية جهاز المناعه :
الزنك من اهم المعادن الضروريه للعمليات الحيوية المناعيه في الجسم , فهو مضاد للاكسده و مضاد للالتهاب و عامل مساعد للانزيمات و صنع البروتينات ,و هو ضروري لوظيفة الغده الزعتريه المناعيه التي تنضج و تهيء الخلايا اللمفاويه التائية , و نقص الزنك سيؤدي الى ضمور الانسجه اللمفاويه و نقص الخلايا البيضاء و بطيء الشفاء و زيادة مدة الالتهابات و العدوى .
نصائح هامه لتقوية جهاز المناعه و خاصه في فترة الوباء:
للحفاظ على جهاز مناعه قوي و متوازن و قادر على التصدي لفايروس كورونا بكفاءه و غيره من مسببات المرض و مختلف الامراض بما فيها السرطان , لا بد من اتباع النصائح التاليه :
1) التركيز على رفع نسب كل من فيتامن D , C و الزنك للحدود الطبيعيه و الحذر من نقصها , بل تعزيزها.
2) تناول الغذاء الصحي الغني بالخضراوات الطازجه و بعض الفواكه و الابتعاد عن الوجبات السريعه و الجاهزه .
3) الابتعاد قدر الامكان عن السكر المكرر و الحلويات و المشروبات الصناعيه و الغازيه , فالسكر سبب لحدوث الامراض المزمنه و اضعاف المناعه .
4) اضافة مقويات المناعه الى الغذاء الصحي مثل البصل و الثوم و الكركم و الزنجبيل و الليمون و زيت الزيتون و منتجات النحل الطبيعيه .
5) النوم الكافي ليلا و تجنب داء العصر المتمثل في السهر .
6) الابتعاد عن التوتر و القلق و الخوف و الغضب و التفكير السلبي , فهي من اشد المهلكات و المضعفات لجهاز المناعه و سبب رئيسي لزيادة الاصابه بالالتهابات و سائر الامراض , و عوضا عن ذلك يجب التحلي بالصبرو بالتفكير الايجابي و التسامح و الشعور بالسعاده و الرضى و التوكل على الله .
7) شرب كميات كافيه من الماء النقي بانتظام .