مرتبط
النقابي د. محمد العزة يكتب: العمل النقابي الصيدلاني
والحرب الباردة ما بين ذئب التيارات السياسية ودب التجمعات النقابية الصيدلانية.
العنوان الطويل لهذا المقال يعكس عمق وعمر الدولة الاردنية والتي نفتخر بأن عمرها ناهز ما يقارب ال 95 عاما من عهد التأسيس مرورا بعهد البناء ودولة المؤسسات وصولا الى دولة الحداثة والمدنية والانجاز .
ومن هنا لاننكر الدور السياسي للاحزاب الاردنية بالمشاركة في بنية الدولة الادارية والمؤسسية والتشريعية والاسهام في تطور الهيكل العام للدولة واظهار سلطة السيادة وهيبة القرار وربط الاردن بمحيطه العربي والدولي بناءا على ان جذور العديد من هذا الاحزاب والتيارات السياسية كانت ترتبط بمكوناتها الام خارج الدولة الاردني وبالاسماء للذكر وليس للحصر سنرى الاحزاب اليسارية والاشتراكية واليمينية والقومية وحركات التحرر العربية وهذه كلها اسهمت في تشكيل الوعي الفكري والسياسي للفرد في ذاك الزمن ليعرف سبل العمل الوطني السياسي وكيفية الاستفاده منه في اكتساب الخبرات وتطور القوانين والانظمة في ادارة الدولة فكانت زمن الستينات والسبعينات عصر النهضة للدولة السياسية الاردنية ومشاركة رجال الاحزاب في ادارتها وهذا ما حسب للاردن من استقطاب واستيعاب الجميع وفرض سيطرته واخراج هذه المشاركة الواسعة والتعددية النخبوية بنكهة وطنية يعم خيرها لمصلحة تطبيق النظام ومواكبته للعصر وبناء الدولة
الا ان بعض هذه الاحزاب ما لبث وان غرد خارج السرب ولم يستطع ان ينهل من هذا النهج ويكرس حرية الرأي وتعددية المشاركة فأصبح يريد ان يطبق تجربته الحزبية وفكره العقائدي كما هو حسب دولة المنشأ دون تكيفه والاطار او المناخ العام للتركيبة المتنوعة في الحياة السياسية الاردنية فمنهم من اراد ان يكون هو صاحب التفرد والكلمة الاولى بغض النظر عن الشريك الاخر او المصلحة الوطنية ومنهم من فشل في البقاء داخل اروقة السياسة وتطبيق افكاره التي يعتقد انها تتناقض مع الاخر فألتف والتفت مباشرة للجمهور والمواطن الاردني وتطبيق ما يؤمن به وفكره ليكون مؤثرا بالحالة الاجتماعية العامة ويغمز من خلالها عبر قنوات السياسة ليحظى بما يريد، وهناك من غاب عن الساحة تماما اما لاندثار الفكر السياسي لحزبه او تغير الاهداف والبوصلة لحراكه فغاب وما بقي منه سوى شعاراته التي تمجد الزمن المجيد.
المقدمة اعلاه قد يكون رأيا شخصيا مقتضبا لما سمعناه وعايشناه من حقب هذه الفترات الزمنية سالفة الذكر ولكن ما شأنها في الحياة النقابية وليكن المثال نقابة الصيادلة الاردنيين ، سنجد ان بدايات التأسيس لهذه النقابة العريقة ضمت واستوعبت وصهرت مكونات الطيف الحزبي السياسي الاردني دون اقصاء او ممانعة ونجحت في اظهار تعاون ممثلي هذه الاحزاب انهم شركاء في البناء وحماة للانجاز ونقله للاجيال القادمة فكان النجاح وارث الانجاز حليف هؤلاء الاشخاص على مستوى العمل النقابي الصيدلاني الاردني واصبح للصيدلي الاردني ذاك الوقت نقابة فاعلة قوية تدافع عنه وتسهم في تطوير مهنته والانظمة الضابطة لأيقاعها ولكن ما الذي حصل بعد ذالك وخصوصا في ال 25 سنة الماضية من تغير على مسيرة هذه النقابة المهني واستبدال منهج الشراكة والانسجام بقيض الصراع والتنافس ورفع الرايات البيضاء وتراجع او اقصاء المستقلين من ابناء هذه المهنة الذين لا يعرفوا للطرق السياسية عبر قنوات النقابات ولا بريق المناصب عبر الشخصيات العامة .
فمكان ان اصبح تقسيم الادوار والحصص في هذه النقابة الكريمة الا حسب الولاءات الحزبية والانتماءات الفكرية والفاعلة على الساحة فانشغلوا بأمور سياستهم والصراع القائم وفرطوا بالارث الموروث ووضع الانظمة والتعليمات التي تضمن سلطتهم وسلطانهم والعصر الذي هم فيه فما كان الا ان اصبحت هذه المهنة الى تراجع واحتكامها لقوانين اما عفى عنها الزمن نتيجة الاهمال والاغفال او التجميل لبعض البنود تخدم الصالح الخاص لمن تواجد على سدة ادارة النقابة في سنواتها العشرين الماضية العجاف وأفرغت النقابة من مضمونها الجوهري ودورها المحوري كمنارة لمنتسبيها في استشراف المستقبل وملاذا من تغيرات الحاضر .
حتى عهد قريب اي قبل سنتين وتحديدا في عام 2015 الذي طرأ فيه كسوف جزئي لمجلس النقابة ليتبعه خسوف كلي للمجلس فأنقلبت الموازين وبان الوهن والاداء للعناصر التي كانت تدير المشهد الصيدلاني وانكشف عوراتهم واستفاق الجيل الصيدلاني لما يدور ان نقابتهم الام تعاني من تصدعات في جدرانها الداخلية ولكن لم يطال اساساتها فأنبثقت العديد من التجمعات الصيدلانية النقابية المستقلة وبدأت تنادي بفصل السياسة عن المهنة لكون مبدأ المشاركة والتشارك مغيب واستلمت زمام المبادرة واستطاعت ان تظهر بكيان واضح للعيان وتشكيل جماعة ضغط نحو احداث تغيرات وجراحة ضرورية لاسعاف مهنة الصيدلة من علتها ، وتشكل اكثر من تجمع لتكون فترة التجمعات النقابية بدلا من عهد التيارات السياسية وصارت الانتخابات لمجلس نقابة الصيادلة وتكاد لاول مرة على اساس البرامج الانتخابية ونجح هذا النهج بفرز مجلس بعيد عن الوان والصبغات المعهودة ليحل محلها شعارات التجمعات والبرامج التي وضعت لتلبي احتياجات المهنة ومنتسبيها وتحل القضايا المتراكمة نتاج وهن وسوء الادارة السابقة لمجالس التيارات السياسية وتحديدا في العشرين سنة الماضية والتي تحاول الان ركوب الموجة واستعمال اسلوب التقيى النقابية وتسخيرها في بقاء مصالحها الخاصة تنبض على حساب المصلحة العامة ومن هنا ما نشهده اليوم بعد انتخابات الصيادلة واستقرار مجلسهم وعودة نقابتهم لوتيرة الحياة ان صراع او حربا باردة تدور ما بين ذئب التيارات السياسية ودب التجمعات النقابية الصيدلانية والتي لن تنتهي الا بما يصح ويجوز ويتطلع له الصيدلي المستقل المنحاز لمهنته ووطنه لكونه شريكا في العطاء والبناء.