ودخلنا عصر «جرعة الدواء الواحدة بمليون دولار»

ودخلنا عصر «جرعة الدواء الواحدة بمليون دولار»

وكالات أنباء – الأسواق الطبية في أوروبا شهدت قبل سنوات طرح الدواء الأول عالميا بتكلفة تتخطى المليون دولار للجرعة الواحدة، وهو ما اعتبر تدشينا لدخول عصر الملايين في تاريخ الطب بالنسبة لأسعار الجرعات الدوائية.
العقار الجديد، «غلايبرا Glybera»، هو الأول في التاريخ الذي يصلح خللا جينيا وراثيا في أحد الأمراض النادرة جدا على المستوى العالمي وهو مرض «نقص إنزيم لايبوبروتين لايبيز» lipoprotein lipase deficiency (LPLD).. وهذا المرض نادر جدا لدرجة أن ليس فقط كثير جدا من الناس لم يسمعوا به، بل الكثير جدا من الأطباء كذلك، كما أن عدد الأطباء الذين سبق أن عاينوا مريضا مصابا به، أو يعالجونه، قليل جدا.
والأمراض النادرة، أو التي يطلق عليها بالعامية في الأوساط الطبية اسم «الأمراض اليتيمة» orphan diseases، تشهد اليوم اهتماما خاصا في أوساط منتجي الأدوية. ولذا شهدنا في العام الماضي أن من بين 39 دواء تم التصريح في الولايات المتحدة ببدء استخدامها في معالجة المرضى، كان نحو 30% منها مخصصة لمعالجة تلك الحالات المرضية النادرة.
ما الذي يحصل؟ الذي يحصل هو بالضبط ما يحصل بين توجه استراتيجية شركة ما نحو بيع الطائرات الخاصة الصغيرة ذات الرفاهية العالية في تجهيزاتها والمرتفعة الثمن، وبيع الدراجات الهوائية الزهيدة الثمن نسبيا. وبدلا من بيع مليون دراجة هوائية بسعر 100 دولار تقريبا للواحدة منها، فإن الأكثر فائدة بيع 20 طائرة من نوع «سي جي 4 سيسنا ستيشن» Cessna Citation CJ4 بسعر 9 ملايين دولار للواحدة منها، أو بيع 5 طائرات من نوع «سوبر سونيك» Supersonic jet، التي تقطع الرحلة من باريس لنيويورك في أربع ساعات، والتي تباع بسعر 80 مليون دولار للواحدة منها.
والتطور الذي مهد لإنتاج هذه الأدوية بالأثمان المرتفعة هذه، هو تقبل السلطات الصحية الحكومية وشركات التأمين الطبي مجموعة سابقة من الأدوية التي تكلف مئات الألوف من الدولارات لمعالجة أمراض نادرة جدا. ونظرا لأن عدد الجرعات اللازمة قليل، فإن الجدوى النهائية للمعالجات الجذرية لهذه الأمراض النادرة والمستعصية والمكلفة على المدى الطويل، هي جدوى واقعية ومفيدة.
ولذا علق البروفسور كارل كلاكستون، المتخصص في الاقتصاد الطبي بجامعة يورك، بالقول: «يزداد عدد شركات الأدوية التي تدخل مضمار هذه النوعية الباهظة الثمن من أدوية معالجة الأمراض النادرة، ذلك أنهم رأوا بأم العين أن من الممكن وضع هذه الأسعار وأن ثمة من يستخدمها ويدفع ثمنها».
وصحيح أن هناك ما بين 6 و7 آلاف مرض نادر يصيب أقل من 1% من الناس في مجتمعات العالم المختلفة، إلا أنها تحتاج إلى معالجة. ونظرا لأن هذه الأدوية لن تستخدم إلا لدى أعداد قليلة من البشر، فإن تكلفة إنتاجها وتكلفة البحوث العلمية التي تم القيام بها لإنتاجها، يجب أن يتم تعويضها للشركات التي أنفقت الملايين في سبيل خروج تلك الأدوية إلى عالم الواقع. وفي بداية هذا العام تم البدء باستخدام دواء «كاليوديكو» Kalydeco لعلاج نحو 270 مريضا في بريطانيا مصابين بأحد الأنواع النادرة من مضاعفات الرئة في مرض التليف الكيسي cystic fibrosis.
وكانت شركة «فيرتكس» الدوائية قد حددت نحو 300 ألف دولار للتكلفة السنوية الدوائية لعلاج المريض الواحد، إلا أن ثمة مفاوضات لخفض القيمة، وهناك «تخفيض» تم الاتفاق عليه، إلا أنه لا يزال «سريا» confidential discount وفق ما تشير المصادر الطبية. إلا أنه في جانب العلاج الجيني لا يمكن تحاشي ارتفاع السعر المادي لأضعاف تلك القيمة لأن العلاج يتم لمرة واحدة، وبالتالي فإن فرصة استثمار الشركة المنتجة هي مرة واحدة للمريض خاصة مع محدودية عدد المرضى الذين سيتلقونه.
وتتجه مجموعات من شركات الأدوية نحو هذا النهج الجديد بدلا من تركيزها التقليدي على سوق أدوية الأمراض الشائعة mass-market pills، مثل أدوية ارتفاع الكولسترول أو ارتفاع ضغط الدم. وهذه الأدوية التقليدية عرضة للمنافسة الشديدة في إنتاج أدوية جديدة من قبل شركات أخرى وعرضة أيضا لإنتاج نسخ مقلدة منها في مناطق خارج نطاق السيطرة في العالم. وتمثل شركة «أليكسون» الدوائية، بصفتها إحدى شركات الأدوية الأميركية، مثالا لكيفية الجدوى من إنتاج أدوية لمعالجة الأمراض النادرة، وعقارها باسم «سوليرز» لمعالجة أحد اضطرابات الدم النادرة، قدم لها أرباحا تفوق 1500 مليون دولار لحد هذا العالم، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 2700 مليون دولار بحلول عام 2017، والسبب أن تكلفة أدوية معالجة المريض الواحد هي نحو 500 ألف دولار سنويا.
وما تشير إليه مصادر الاقتصاد الطبي أن الحجم العالمي لسوق الأمراض النادرة تجاوز حد 50 مليار دولار في عام 2011، أي ما يمثل 6% من حجم سوق أدوية كل الأمراض عالميا. وبالتالي، فإن التوسع في استخدامها، خاصة مع تطوير علاجات لنوعيات متعددة من الأمراض السرطانية باستخدام تقنيات الجينات، يعني أن حجمها سيصبح في عداد مئات المليارات. وما يشهد لذلك أن النمو السنوي لسوق الأمراض النادرة بلغ 26% بين عام 2000 و2010، بينما النمو السنوي لسوق الأمراض الشائعة لم يتجاوز 20%. كما تؤكد المصادر تلك أن «القيمة الحالية» present value لسوق أدوية الأمراض النادرة أعلى من تلك التي لسوق الأمراض الشائعة على الرغم من محدودية عدد المصابين بالأمراض النادرة.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: