كتب د. عبدالله بطاح: الصناعة الدوائية في عام 2025.. ملامح التحوّل الرقمي بقيادة الذكاء الاصطناعي

كتب د. عبدالله بطاح: الصناعة الدوائية في عام 2025.. ملامح التحوّل الرقمي بقيادة الذكاء الاصطناعي

تشهد صناعة الأدوية في عام 2025 تحولًا جذريًا تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) والتطورات التكنولوجية الأخرى. فيما يلي أبرز الاتجاهات الرائجة في هذا القطاع، استنادًا إلى مصادر حديثة ومناقشات منتشرة على منصة X:
من خلال خبرتي كمستشار ومدرب في التسويق الرقمي والتحول الرقمي للقطاع الصحي، أرى أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة مساندة، بل أصبح عنصرًا جوهريًا في صناعة الأدوية الحديثة. التحولات التي نشهدها اليوم تؤكد أننا على أعتاب ثورة دوائية تقنية، لكن النجاح في هذا المجال لن يعتمد فقط على تبني الأدوات، بل على القدرة على الدمج الذكي بين العلم، التقنية، والبعد الإنساني.
لقد كتبت هذا المقال انطلاقًا من رؤيتي الشخصية واطلاعي المستمر على التطورات العالمية، وأؤمن أن على الشركات والمؤسسات في منطقتنا العربية أن تبادر اليوم لاكتساب هذه المعرفة والاستثمار في بناء منظومات ذكية متكاملة تضمن لها التنافسية والاستدامة.

  1. الاكتشاف والتطوير الدوائي المعتمد على الذكاء الاصطناعي
    أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال اكتشاف الأدوية، حيث ساهم في تقليص الفترات الزمنية للتطوير وخفض التكاليف بشكل ملحوظ. تُستخدم نماذج متقدمة من التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي التوليدي مثل AlphaFold2 وESMFold في التنبؤ بهياكل البروتينات، وتحديد مركبات دوائية جديدة، وتحسين تصميم الجزيئات. يُتوقع بحلول عام 2025 أن يسهم الذكاء الاصطناعي في 30% من الاكتشافات الدوائية الجديدة، مع تقليص مدد التطوير بنسبة تصل إلى 50%، وتوفير قيمة اقتصادية سنوية تتراوح بين 350 إلى 410 مليار دولار. تقود شركات كبرى مثل Pfizer وAstraZeneca، إلى جانب شركات ناشئة مثل BenevolentAI وRecursion، هذا التوجه، من خلال تطوير أدوية جديدة أو إعادة توظيف المعروفة منها.

مثال: شراكات شركة Pfizer مع Tempus وCytoReason ساعدت في تسريع تطوير علاج Paxlovid لفيروس كوفيد-19.

  1. تحسين التجارب السريرية
    يساهم الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف طريقة إجراء التجارب السريرية، من خلال تحسين اختيار المشاركين، وتصميم الدراسة، والمراقبة اللحظية. أدوات مثل المولدات الرقمية للمرضى (digital twins) من شركة Unlearn تساعد على توقع تطوّر الحالات المرضية، مما يقلل الحاجة إلى مجموعات كبيرة من المشاركين دون التأثير على دقة النتائج. من المتوقع أن تسهم هذه التقنيات في خفض تكاليف التجارب بنسبة تصل إلى 70%، وتقصير المدد بنسبة 80%. يُقدّر حجم سوق حلول الذكاء الاصطناعي في التجارب السريرية بحوالي 1.73 مليار دولار في 2025.

مثال: منصة MedDossier التابعة لشركة Vivanti تسرّع من إعداد تقارير الدراسات السريرية وتسهّل الامتثال للمتطلبات التنظيمية.

  1. الطب الدقيق والرعاية الصحية المُخصصة
    بات الذكاء الاصطناعي عنصرًا حاسمًا في تقديم علاجات مُخصصة لكل مريض، من خلال تحليل البيانات الجينية والبروتينية والسريرية للتنبؤ بنتائج العلاج. يشمل ذلك تطوير علاجات جينية واستخدام الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن الأمراض وتحديد أفضل العلاجات لأمراض مزمنة مثل السرطان وأمراض الكلى.

مثال: تعتمد شركة AstraZeneca على الذكاء الاصطناعي لتطوير علاجات موجهة لأمراض الكلى المزمنة والتليف الرئوي.

  1. سلاسل التوريد والتصنيع الذكي
    تُستخدم تحليلات التنبؤ في الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة سلاسل الإمداد من خلال التوقع الدقيق للطلب، وإدارة المخزون، وتعقّب الشحنات في الزمن الحقيقي. أكثر من 85% من المدراء التنفيذيين في شركات الأدوية الحيوية يخططون للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي في 2025 لتعزيز مرونة سلاسل التوريد. كما تسهم تقنيات الصيانة التنبؤية في تقليل فترات توقف الإنتاج عبر تحليل بيانات أجهزة الاستشعار.

مثال: تستخدم شركة Pfizer الأتمتة الذكية في شحن الأدوية المبرّدة، ما ساعد على تقليل الأخطاء وتحسين الكفاءة.

  1. السلامة الدوائية والامتثال التنظيمي
    يعزز الذكاء الاصطناعي، لا سيما عند دمجه مع تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، من فعالية رصد الآثار الجانبية وتحسين جودة البيانات والامتثال للتشريعات مثل GDPR وHIPAA. أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في 2025 مشروع توجيه يُركّز على إطار يعتمد على تقييم المخاطر لاستخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات التنظيمية.

مثال: أداة MLR من eWizard تُسرّع مراجعة المواد التسويقية وتتحقق تلقائيًا من التزامها باللوائح التنظيمية.

  1. التحوّل في التسويق والأنشطة التجارية
    أعاد الذكاء الاصطناعي التوليدي تشكيل استراتيجيات التسويق الدوائي، من خلال أتمتة صناعة المحتوى، وتخصيص التفاعل مع مقدّمي الرعاية الصحية (HCPs)، وتحليل اتجاهات السوق. وتُستخدم أدوات مساعدة افتراضية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتقديم دعم فوري للفرق البيعية، إلى جانب تحليلات تنبؤية لتوقع الطلبات السوقية.

مثال: تعتمد شركة Takeda على الذكاء الاصطناعي لتحديد “أفضل خطوة تالية” في تفاعلها مع مقدّمي الرعاية الصحية، ما يعزز فعالية التواصل.

  1. تحديات أخلاقية وتشريعية
    رغم الآفاق الواسعة، يواجه اعتماد الذكاء الاصطناعي تحديات مثل خصوصية البيانات، والاعتبارات الأخلاقية، وتعقيدات الملكية الفكرية. تحذر بعض الجهات من مخاطر التحيّز الناتج عن بيانات غير دقيقة أو ناقصة. كما تؤكد الهيئات الرقابية على ضرورة الالتزام بمبادئ FAIR وALCOA لضمان النزاهة والشفافية. أحد أبرز الأمثلة على التحديات القانونية هو حكم المحكمة العليا البريطانية في 2023 الذي قضى بعدم إمكانية إدراج الذكاء الاصطناعي كمُخترع في طلبات براءات الاختراع.

مثال: تتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في البحث الدوائي بنجاح توفير بنى قوية لمشاركة البيانات وآليات لحماية الملكية الفكرية.

  1. تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الناشئة
    تزداد أهمية الذكاء الاصطناعي “الوكيل” (Agentic AI) القادر على تنفيذ مهام معقدة بشكل مستقل مثل توليد الفرضيات وتصميم البروتوكولات. وتُظهر التطبيقات المدعّمة بالحوسبة الكمومية نتائج واعدة في اكتشاف أدوية لأهداف صعبة، مثل بروتينات السرطان غير القابلة للاستهداف تقليديًا.

مثال: تعتمد شركة Xaira Therapeutics على قاعدة بيانات X-Atlas/Orion التي تحتوي على 8.4 مليون تفاعل خلوي لدعم أبحاث البيولوجيا المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.

  1. الاستدامة والعدالة الصحية
    تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية عبر ترشيد استهلاك الموارد وتقليل الهدر. كما تتيح فرصًا أوسع لتحقيق العدالة الصحية، من خلال تحسين الوصول للعلاج في المناطق المحرومة بفضل المتابعة عن بُعد والتسعير المتمايز للدول النامية.

مثال: تسهم تطبيقات الهاتف المحمول والأجهزة القابلة للارتداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي في مراقبة المرضى عن بُعد، ما يعزز إمكانية الوصول إلى الرعاية في المناطق النائية.

  1. تطور القوى العاملة والثقافة المؤسسية
    يتطلب الدمج الفعّال للذكاء الاصطناعي تدريبًا مكثفًا للموظفين وتغييرات ثقافية على مستوى المؤسسات. وتعمل العديد من الشركات على تأهيل موظفيها لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتشجيع التعاون بين علماء البيانات والفرق الطبية والإدارية. كما يُشدد على أهمية الذكاء العاطفي وروح العمل الجماعي للتكامل مع القدرات التقنية.

ملاحظات ختامية:
تعكس المناقشات عبر منصة X حالة من التفاؤل بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي في القطاع الدوائي، خصوصًا فيما يتعلق بالتقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي الكمومي وقواعد البيانات الضخمة. ومع ذلك، هناك وعي متزايد بالحاجة إلى أطر تنظيمية قوية واستراتيجيات موثوقة لإدارة البيانات.

رغم ما يُحدثه الذكاء الاصطناعي من قفزات هائلة في الكفاءة والابتكار، إلا أن الاعتماد المفرط عليه دون إشراف بشري قد يؤدي إلى نتائج متحيّزة. كما أن التحديات التنظيمية قد تُبطئ من وتيرة التقدّم، خاصة في الأسواق شديدة الرقابة. لذلك، ينبغي التعامل مع التوقعات المالية مثل القيمة المتوقعة (350–410 مليار دولار) بحذر حتى يتم التغلب على معوقات جودة البيانات وحماية الملكية الفكرية.

خلاصة:
يمثل عام 2025 انطلاقة لعصر جديد في الصناعة الدوائية تقوده تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولكن تحقيق هذا التحول يتطلب توازنًا دقيقًا بين الابتكار، والالتزام التنظيمي، والاعتبارات الأخلاقية.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: