مرتبط
مع انطلاق القمة الدولية لتحرير الجينوم.. خبراء يحذرون من أن العلاجات الوراثية القادمة تثير أسئلة أخلاقية خطيرة
تستضيف العاصمة البريطانية -بداية من اليوم الاثنين- القمة الدولية الثالثة لتحرير الجينوم البشري في معهد فرانسيس كريك، وتأتي القمة في وقت يحذر بعض الخبراء من أن العلاجات الوراثية القادمة تثير أسئلة أخلاقية خطيرة.
ونقلت صحيفة “غارديان” (The Guardian) البريطانية تحذيرات، مجموعة من الخبراء العالميين، من أن الجيل القادم من العلاجات الجينية المتقدمة يثير قضايا طبية وأخلاقية عميقة يجب التغلب عليها لضمان أن التكنولوجيا الجديدة تفيد المرضى والمجتمع.
ورغم أن الأدوية -التي تعتمد على أدوات تعديل الجينات القوية- ستدخل مجالات علاج اضطرابات الدم والحالات التي تؤثر على القلب والعينين والعضلات، وربما حتى الأمراض التنكسية العصبية قبل نهاية العقد، إلا أن التكلفة ستجعلها بعيدة عن متناول الكثيرين.
علاجات جينية
في حديثها قبل القمة الدولية الثالثة لتحرير الجينوم البشري، قالت البروفيسور جينيفر دودنا “سنرى بالتأكيد العلاجات الجينية لأمراض القلب والأمراض التنكسية العصبية وأمراض العيون وأكثر من ذلك، وربما بعض العلاجات الوقائية أيضا”.
لكن دودنا الفائزة بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2020 حذرت من أن “أحد أكبر المخاطر وأكثرها واقعية أن الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا أكثر من غيرهم لن يكونوا قادرين على الوصول إلى تلك العلاجات أو تحمل تكاليفها”.
ومن جانبه قال البروفيسور فرانسواز بايليس، من جامعة دالهوزي في كندا، إن تكلفة العلاجات الجديدة ستكون باهظة بالنسبة لكثير من سكان العالم، وهو وضع يمكن أن “يهدد بشكل خطير” التطلع إلى أن يولد جميع البشر متساوين.
وكانت القمة السابقة لتحرير الجينوم البشري، التي عقدت عام 2018 في هونغ كونغ، شابها الجدل عندما كشف العالم الصيني خه جيان كوي أنه قام بتعديل الحمض النووي لـ 3 أجنة تطورت إلى أطفال، بما في ذلك الشقيقتان التوأم اللولو ونانا، وكان ينوي جعل الأطفال محصنين ضد فيروس نقص المناعة البشرية، ولكن تم استنكار ذلك بشدة من قبل المجتمع العلمي باعتباره متهورا. وسجن “هي” 3 سنوات لخرقه القوانين المعتمدة في بلاده، لكنه سعى بعد ذلك إلى إعادة إطلاق مسيرته المهنية.منذ ذلك الحين، لم تتغير الجوانب التكنولوجية لاستخدام تحرير الجينوم لتغيير الأجنة البشرية لأغراض الإنجاب بشكل أساسي، كما يقول روبن لوفيل بادج، عالم الأحياء التناسلية في معهد فرانسيس كريك في لندن والذي يترأس القمة، وقال “إنها لا تزال تقنية غير آمنة”. ووفق تقرير مجلة “نيتشر” (Nature) فإن موقف بادج يأتي ضمن إجماع علمي واسع النطاق على أن تقنية تحرير الجينوم ليست جاهزة للاستخدام في الأجنة البشرية.ويرى بعض الخبراء -تحدثوا إلى غارديان- أن تعديل الجينات قد يكون آمنا بما يكفي للتجربة على الأجنة البشرية السنوات العشر إلى العشرين القادمة، رغم أن البروفيسور لويجي نالديني، معالج الجينات بجامعة فيتا سالوت سان رافايل (Vita-Salute San Raffaele) في ميلانو، قال إن العلاجات المتخصصة قد تكون جاهزة “من الناحية الفنية” في غضون 5 سنوات.
افتقار للتنظيم
من وجهة نظر تنظيمية، تفتقر العديد من البلدان -بما في ذلك الولايات المتحدة- إلى آليات لضمان عدم زرع الأجنة المعدلة في الرحم.
وفي فبراير/شباط الماضي، أصدرت الصين مبادئ توجيهية جديدة حول السلوك الأخلاقي بالبحوث البيولوجية والطبية، تعالج الحاجة إلى إبلاغ المشاركين في الدراسة بالمخاطر المحتملة، وتوفر وصفا تفصيليا لكيفية إدارة مجالس المراجعة الأخلاقية، كما تقول جوي زانج، عالمة الاجتماع بجامعة كنت في كانتربري بالمملكة المتحدة.
لكن تلك المبادئ -وفقا لزانج- تعتمد على النموذج التقليدي للبحث الطبي القائم بالمستشفيات ومعاهد البحوث والجامعات، وتقول “إنهم يتجاهلون حقيقة أنه في الواقع، وبشكل متزايد، يمكن للمشاريع الخاصة أو حتى الأفراد أن يشرعوا في مشروع بحثي يمكن أن يكون مدمرا للغاية ومتطورا للغاية. نحن بحاجة إلى إعادة التفكير في كيفية حكمنا”.
وترتفع أسعار العلاجات الجينية الحالية بشكل صاروخي، مما يجعل الباحثين قلقين من أن علاجات تعديل الجينوم ستكون بالمثل باهظة الثمن في كثير من أنحاء العالم. ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على علاج جيني لعلاج الهيموفيليا (مرض وراثي يؤثر على عوامل تخثر الدم) بسعر 3.5 ملايين دولار لكل علاج.
تقنية كريسبر
في السنوات التي تلت اكتشافات العالم الصيني هي، كشف الباحثون عن مزيد من المخاوف بشأن استخدام تقنية “كريسبر” بالأجنة، بما في ذلك القدرة على خلط أجزاء كبيرة من الكروموسومات، وهو ما يضيف إلى المشاكل المحتملة الأخرى مع هذه التقنية، بما في ذلك إمكانية التسبب في تغييرات جينية غير مرغوب فيها، وتوليد جنين بفسيفساء من الخلايا المحررة وغير المحررة.
وتقنية “كريسبر” (CRISPR) للتعديل الجيني تتيح تعديل الحمض النووي للكائن الحي، بما في ذلك البشر، ويسعى العلماء لاستخدامها في علاج الأمراض، مقابل وجود مخاوف منها.
كما أنها تمتاز بأنها رخيصة التكلفة، وسهلة الاستعمال، وتتيح للعلماء تعديل الجينات من خلال “مقص” جيني يضاهي في عمله برنامجا لمعالجة النصوص، ويمكنه رصد التشوهات الجينية واستبدالها بعناصر أخرى في الحمض النووي.
وتعتمد تقنية “كريسبر” على إنزيم (Cas9) ويستخدم جزيئا إرشاديا من الحمض النووي الريبي، بغرض استهداف الجزء المطلوب من الحمض النووي، ثم يعدل الحمض النووي، من أجل تفكيك الجينات، أو وضع التسلسلات المطلوبة.
وتسمح هذه التقنية للعلماء بتغيير أي جين يستهدفونه فعليا، مما يفتح آفاقا جديدة في الطب الوراثي بسبب قدرتها على تعديل الجينات بسرعة وفاعلية.
لكن المخاوف المتعلقة باستخدام تلك التكنولوجيا في خلايا التكاثر البشرية أو الأجنة بمراحلها المبكرة تتمثل في أن التغييرات ستنتقل للأجيال التالية، كما قد تستخدم لإنتاج ما يطلق عليه “أطفال وفق الطلب”.
المصدر : الجزيرة + وكالات + غارديان