مرتبط
د. عبدالله بطاح يكتب: الذكاء الاصطناعي يحل لغزًا علميًا معقدًا في يومين: ثورة في فهم مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية
في إنجاز علمي غير مسبوق، تمكنت أداة ذكاء اصطناعي طورتها شركة جوجل، تُعرف باسم “العالم المشارك” (AI co-scientist)، من حل لغز علمي معقد يتعلق بكيفية اكتساب بعض أنواع البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وهو تحدٍ استغرق العلماء عقدًا من الزمن لفهمه.
مقاومة مضادات الميكروبات: التهديد الصامت
تُعَدُّ مقاومة مضادات الميكروبات (Antimicrobial Resistance – AMR) واحدة من أكبر التهديدات الصحية العالمية في العصر الحديث. تحدث هذه الظاهرة عندما تطور الميكروبات، مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، مقاومة للأدوية المصممة لقتلها أو تثبيط نموها. يؤدي ذلك إلى فقدان فعالية العلاجات القياسية، مما يجعل العدوى أكثر صعوبة في العلاج، ويزيد من خطر انتشار الأمراض والوفيات.
وفقًا لتقرير مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) لعام 2019، تسببت البكتيريا المقاومة للأدوية في وفاة ما لا يقل عن 1.27 مليون شخص على مستوى العالم في ذلك العام، مع 35,000 حالة وفاة في الولايات المتحدة وحدها. يمثل ذلك زيادة بنسبة 52% مقارنة بتقرير عام 2013، مما يسلط الضوء على السرعة التي يتطور بها هذا التهديد.
عقد من البحث: فهم آلية مقاومة البكتيريا
كرّس فريق من الباحثين في إمبريال كوليدج لندن، بقيادة البروفيسور خوسيه بيناديس، عشر سنوات لدراسة كيفية اكتساب بعض البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية. ركز الفريق على نوع من الفيروسات التي تصيب البكتيريا تُعرف باسم “الجزر الكروموسومية القابلة للتحفيز بواسطة العاثيات” (phage-inducible chromosomal islands – PICIs). هذه الفيروسات قادرة على استعارة ذيول من فيروسات أخرى، مما يمنحها القدرة على إصابة أنواع جديدة من البكتيريا. أثبتت التجارب صحة هذه الفرضية، كاشفة عن آلية جديدة للنقل الجيني الأفقي لم تكن معروفة من قبل.
دور الذكاء الاصطناعي: حل اللغز في يومين
قبل نشر نتائجهم، قرر الفريق اختبار أداة الذكاء الاصطناعي “العالم المشارك” من جوجل. بعد يومين فقط، قدم الذكاء الاصطناعي اقتراحات متعددة، كان أحدها مطابقًا للإجابة التي توصل إليها الفريق بعد عقد من البحث. أثار هذا الاكتشاف دهشة بيناديس، مما دفعه إلى مراسلة جوجل للتأكد مما إذا كان للنظام وصول غير معلن إلى أبحاث فريقه، إلا أن الشركة نفت ذلك.
تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي
رغم هذه النتائج الواعدة، لا يزال استخدام الذكاء الاصطناعي في العلوم يثير الجدل. تعاني بعض الأبحاث المدعومة بالذكاء الاصطناعي من عدم القابلية للتكرار، بل وُجدت حالات احتيال علمي. ولتقليل هذه المخاطر، يسعى العلماء إلى تطوير أدوات تكشف عن الأخطاء والانحرافات في استخدام الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى وضع أطر أخلاقية لضمان دقة النتائج.
آفاق المستقبل: تسريع الاكتشافات العلمية
يعكس هذا الإنجاز الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تسريع وتيرة الاكتشافات العلمية. يمكن لأدوات مثل “العالم المشارك” تحليل كميات هائلة من البيانات في وقت قصير، مما يساعد الباحثين على تجاوز العقبات وتسريع عمليات البحث التي قد تستغرق سنوات عند الاعتماد على الطرق التقليدية.
في الختام، يُظهر هذا التطور كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُحدث ثورة في مجال البحث العلمي، وتساهم في مواجهة تحديات صحية عالمية مثل مقاومة مضادات الميكروبات. ومع ذلك، يجب التعامل بحذر مع هذه الأدوات، وضمان استخدامها بطرق أخلاقية وموثوقة لتحقيق أفضل النتائج للبشرية.