د. عبدالرحمن طنبوز يكتب: بين حديث الاجداد وعلم الأمراض

د. عبدالرحمن طنبوز يكتب: بين حديث الاجداد وعلم الأمراض

هل تعلم أن الطريق الأقصر إلى عقل الرجل يمر عبر معدته؟ ليست مجرد عبارة شعبية، بل حقيقة علمية مدعومة بالدراسات الحديثة. المعدة والأمعاء ليستا مجرد مكان لهضم الطعام، بل مركز يتحكم في المزاج، التركيز، والطاقة الذهنية من خلال ما يعرفه العلماء بـ محور الأمعاء–دماغ (Gut–Brain Axis). هذا المحور يمثل شبكة تواصل مستمرة بين الدماغ والأمعاء عبر العصب الحائر (Vagus Nerve) والهرمونات المعوية والجزيئات الكيميائية التي تصنعها البكتيريا المفيدة في أمعائنا.

البكتيريا المفيدة ليست مجرد ضيوف صامتين، بل مصنع حقيقي للسعادة والطاقة الذهنية. فهي تنتج السيروتونين (Serotonin) المسؤول عن تحسين المزاج، وGABA الذي يخفف التوتر والقلق، والدوبامين (Dopamine) الذي يعزز التركيز والتحفيز الذهني. هذه البكتيريا تحتاج إلى غذاء جيد لتستمر في أداء مهمتها، مثل الألياف والفواكه والخضار والحبوب الكاملة، فكل وجبة صحية تبني دماغًا أقوى وأكثر نشاطًا.

وعلى الجانب الآخر، الإفراط في السكريات المكررة والدهون المشبعة والوجبات السريعة يقلب هذا التوازن رأسًا على عقب. النتيجة هي شعور دائم بالتعب الذهني، ضعف التركيز، تقلب المزاج، وحتى زيادة مستويات القلق والاكتئاب. بمعنى آخر، معدة غير صحية تؤدي إلى دماغ أقل صحة وكفاءة.

التغذية الصحيحة لها تأثير مباشر وملموس على وظائف الدماغ. الأطعمة الغنية بأوميغا‑3 مثل الأسماك الدهنية والمكسرات تعزز الذاكرة والمزاج، بينما الألياف تساعد البكتيريا المفيدة على إنتاج المركبات التي تدعم الصحة العصبية. اتباع نمط البحر الأبيض المتوسط (Mediterranean Diet)، الغني بالخضار والفواكه والحبوب الكاملة وزيت الزيتون، ليس رفاهية، بل استثمار مباشر في صحة دماغك وقدرتك على التركيز والطاقة الذهنية.

الأبحاث أظهرت أن اختلال محور الأمعاء–دماغ مرتبط بالقلق والاكتئاب وصعوبة التركيز، في حين أن الاهتمام بما تأكله يحافظ على الميكروبيوم ويعزز صحة الدماغ. الشخص الذي يعتني بأمعائه يجد نفسه أكثر هدوءًا، أكثر قدرة على التركيز، وأكثر سعادة.

وهنا يظهر الدور الحيوي للصيدلي، فهو لا يقتصر على صرف الدواء، بل يقدم التوجيه الغذائي والنفسي، يراقب التداخلات بين الأدوية والمكملات، ويعطي نصائح عملية لتحسين المزاج والطاقة الذهنية. البروبيوتيك والمكملات الغذائية وحتى ضبط الكافيين يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا إذا تم استغلالها بشكل صحيح.

في النهاية، المعدة ليست مجرد وعاء للطعام، بل بوابة لعقلك. الاهتمام بما تأكله، الحفاظ على ميكروبيوم صحي، واختيار الأدوية بعناية يمكن أن يعزز المزاج، التركيز، والوظائف الإدراكية. الطريق إلى عقل صحي يبدأ من معدة سليمة، ودورك ودور الصيدلي هو أن تجعل هذا الطريق مفتوحًا وسهلًا، خطوة بخطوة، وجبة بعد وجبة.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: