التحكم الذكي بالربو عند الأطفال: متى نلجأ إلى الستيرويدات الفموية؟

التحكم الذكي بالربو عند الأطفال: متى نلجأ إلى الستيرويدات الفموية؟

د. رغد حرب


يُعدّ الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا في مرحلة الطفولة، إذ يصيب نحو 8–10% من الأطفال عالميًا، ويشكّل عبئًا صحيًا وعاطفيًا على العائلات والمجتمع. يُعرَّف الربو بأنه التهاب مزمن في الشعب الهوائية يؤدي إلى نوبات متكرّرة من السعال والصفير وضيق النفس، نتيجة تضيّق متغيّر في مجرى الهواء وفرط استجابة القصبات الهوائية.
تتداخل في نشأة الربو عوامل وراثية وبيئية متشابكة، أبرزها التاريخ العائلي للحساسية أو الربو، والتعرّض للمثيرات البيئية مثل دخان التبغ، والعفن، وملوّثات الهواء. كما تُعدّ العدوى الفيروسية المتكرّرة في السنوات الأولى من العمر عاملاً مهمًا في ظهور الأعراض الأولى للمرض.
فهم آلية المرض
ينتج الربو عن التهاب مستمر في جدار القصبات الهوائية يؤدي مع الوقت إلى ما يُعرف بـ إعادة تشكيل الشعب الهوائية (airway remodeling)، وهو تغيّر بنيوي يجعل المجرى الهوائي أكثر ضيقًا وحساسية. لذلك، فإن التحكم المبكر والمستمر بالالتهاب يُعدّ مفتاح النجاح في منع المضاعفات المزمنة وتحسين نمو الرئة ووظيفتها مستقبلاً.
التشخيص والعلاج الوقائي
يعتمد تشخيص الربو على الأعراض النمطية مثل السعال الليلي أو المجهودي، وتحسّنها بعد استخدام موسّعات القصبات أو الستيرويدات المستنشقة. أما الأطفال فوق سن الخامسة فيُستفاد من اختبار وظائف الرئة (Spirometry) لتأكيد التشخيص.
ويُعتبر الستيرويد المستنشق (ICS) حجر الزاوية في العلاج طويل الأمد، حيث يعمل على تقليل الالتهاب وتحسين السيطرة على الأعراض وتقليل نوبات التفاقم (1). أما موسّعات القصبات قصيرة المدى (SABA) مثل السالبوتامول، فتبقى للاستخدام الإسعافي فقط.
وقد تبنّت التوصيات الحديثة لمبادرة الربو العالمية (GINA 2025) مفهوم العلاج الذكي (SMART Therapy)، الذي يجمع بين الكورتيزون المستنشق والفورموتيرول في بخّاخ واحد يُستخدم للعلاج الوقائي وللسيطرة على الأعراض الطارئة في آنٍ واحد، مما يقلل من خطر التفاقمات ودخول المستشفى (2).
الستيرويدات الفموية: متى نلجأ إليها؟
رغم التطور الكبير في العلاجات الوقائية، تبقى الستيرويدات الفموية مثل البريدنيزولون أداة إنقاذ حيوية في تدبير نوبات الربو الحادة والمتوسطة إلى الشديدة، خصوصًا عندما لا تتحسن الأعراض بسرعة بعد استخدام موسّعات القصبات قصيرة المدى.
توصي الإرشادات الحديثة باستخدام كورسات قصيرة المدى (من 3 إلى 7 أيام) من الستيرويد الفموي، دون الحاجة إلى سحب تدريجي إذا لم تتجاوز مدة العلاج أسبوعين (1). الهدف منها هو السيطرة السريعة على الالتهاب، وتحسين وظائف الرئة، وتقليل احتمال دخول المستشفى.
وقد أثبتت دراسات متعددة أن هذه الدورات القصيرة تقلل بشكل ملحوظ من معدل التفاقمات والزيارات الطارئة للمستشفيات، وتُحسّن من أداء الطفل التنفسي خلال أيام قليلة (3،4). ومع ذلك، فإن الاستخدام المفرط أو المتكرر لها يشكّل مصدر قلق طبي، خاصة إذا لم يُرافق بخطة علاج وقائية منتظمة بالستيرويدات المستنشقة.
الأدلة العلمية على الفعالية والأمان
أظهرت دراسة فرنسية وطنية أن 59% من مرضى الربو الشديد تلقّوا دورات متكرّرة من الستيرويدات الفموية بمتوسط 3.3 دورة سنويًا، مما يعكس الحاجة إلى تعزيز الالتزام بالعلاج الوقائي لتقليل الاعتماد على الستيرويدات الجهازية (3).
وفي دراسة أخرى نُشرت في مجلة Annals of Allergy, Asthma & Immunology عام 2021، وُجد أن الأطفال الذين تلقّوا دورتين أو أكثر من الستيرويدات الفموية سنويًا أظهروا انخفاضًا طفيفًا فقط في بعض الأجسام المضادة النوعية دون تأثير مهم على باقي مؤشرات المناعة، ما يدل على أمان نسبي للكورسات القصيرة عند الضرورة (4،5).
مكان الستيرويد الفموي في خطة العلاج
تُجمع الإرشادات الحديثة على أن الستيرويدات الفموية يجب أن تُستخدم كخيار قصير الأمد للأزمات الحادة فقط، ولا يُنصح باستخدامها كعلاج وقائي دائم (1).
العلاج الوقائي المثالي يبقى هو الستيرويد المستنشق (ICS) أو المزيج الذكي (ICS–Formoterol, SMART Therapy)، لضمان السيطرة المستمرة على الالتهاب وتقليل الحاجة لأي تدخل جهازي.
كما يُوصى بمراجعة مدى تكرار الكورسات الفموية خلال المتابعة الدورية، للتأكد من الالتزام بالعلاج الوقائي وعدم وجود تحفيز بيئي أو التهابي متكرر.
الخلاصة
الربو عند الأطفال مرض يمكن السيطرة عليه بفعالية كبيرة إذا تم تشخيصه مبكرًا، وتم اتباع الإرشادات الحديثة في العلاج والوقاية. وتبقى الستيرويدات الفموية وسيلة منقذة للحياة عند الضرورة، لكنها ليست العلاج الدائم.
إن تحقيق السيطرة المثلى على الربو يعتمد على الالتزام بالعلاج الوقائي، المتابعة الدورية، وتثقيف الأهل — وهي مسؤولية مشتركة بين الطبيب والصيدلي والمجتمع الطبي بأكمله.


المراجع

  1. Global Initiative for Asthma (GINA). Global Strategy for Asthma Management and Prevention — 2025 update. GINA; 2025.
  2. O’Byrne PM, FitzGerald JM, Bateman ED, et al. Inhaled combined budesonide–formoterol as needed in mild asthma. N Engl J Med. 2018;378(20):1865–1876. doi:10.1056/NEJMoa1715274.
  3. Bourdin A, Fabry-Vendrand C, Ostinelli J, et al. The burden of severe asthma in France: a case-control study using a medical claims database. J Allergy Clin Immunol Pract. 2019;7(5):1477–1487. doi:10.1016/j.jaip.2018.12.029.
  4. Aljebab F, Choonara I, Conroy S. Systematic review of the toxicity of short-course oral corticosteroids in children. Arch Dis Child. 2016;101(4):365–370. doi:10.1136/archdischild-2015-309522.
  5. Harding T, Harding A. Multiple short courses of corticosteroids in children. Aust J Gen Pract. 2021;50(3):151–156. doi:10.31128/AJGP-11-19-5164.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: