مرتبط
الأدوية بين حساب الحقل وحساب البيدر
تناقلت وسائل الإعلام على نحو لافت نتيجة الدراسة التي خلص اليها باحثون من المملكة المتحدة ونشرتها مؤخرا المجلة الطبية البريطانية، والتي خلصت الى أن حوالي نصف أدوية السرطان التي تم اعتمادها من قبل الأجهزة الأوروبية خلال السنوات الماضية قد فشلت في إحداث الاثر الايجابي المرجو في حياة المرضى نوعا وكما.
موضوع القيمة المضافة للأدوية الجديدة ومدى الفائدة منها، وجدواها الاقتصادية ليس موضوعا محدثا، فقد بحث فيه عدد كبير من الباحثين الطبيين والاقتصاديين، وتعرضت الإجراءات المتبعه للسماح لهذه الأدوية للنقد من عدة جهات، لكن هذه الدراسة تميزت بشمولها عددا كبيرا من الأدوية (48 دواء معتمدا لعلاج السرطان)، كما أنها تتعلق بالأدوية المرخصة في أوروبا حيث معايير اعتماد الأدوية أشد صرامة من تلك المتبعة في الولايات المتحدة، حيث يحضر العامل الاقتصادي بقوة أكثر جلية لدى المؤسسات الأوروبية، خصوصا في المملكة المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول تشددا في مجال ربط اعتماد الدواء بالجدوى الطبية والاقتصادية المرجوة منه.
لا بد لأي دواء قبل أن يقر أن يخضع لسلسلة من التجارب المخبرية والسريرية ويكون الهدف إثبات أن فائدته المرجوة للمرضى تفوق أعراضه الجانبية، وأن له قيمة مضافة تحدث فرقا في حياة المرضى مقارنة بالأدوية المتوفرة حاليا، لكن غالبا ما يتم قياس هذه الفائدة بناء على نتائج مخبرية وشعاعية، ولا يتم النظر الى تأثيره في حياة المرضى نوعا وكما على المدى البعيد، حيث ان مثل هذه الدراسات تحتاج فترات زمنية أطول وتكاليف باهظة، لذلك غالبا ما تتغاضى شركات الأدوية عن متابعتها أو ربما هي غير معنية بذلك أصلا كون همها الرئيسي اعتماد الدواء والسماح بطرحه في السوق.
هناك نوعان من الأدوية، أولهما تلك التي تعتبر فتحا طبيا يغير وجه مرض ما وهي نادرة ولا نكاد نسمع بأي منها الا مرة كل عقد أو يزيد، واخرى تحدث أثرا ايجابيا تدريجيا يمكن أن يُبنى عليه في المستقبل، وكلاهما مهم شريطة أن تكون هناك دراسات طويلة المدى تبحث في الأثر الحقيقي لهذه الأدوية في حياة المرضى، وفي الجدوى الاقتصادية منها، وهذا دور لا تبدو شركات الأدوية معنية بالقيام به ويقع على عاتق المؤسسات الرسمية والبحثية.