مرتبط
بعد ثلاثة أشهر من ظهور أول حالة إصابة بـ”كوفيد-19″، لا يوجد حتى الآن إجابة واضحة حول “المريض رقم صفر” أي أول مصاب بفيروس كورونا الجديد، أو من أين جاء هذا الفيروس.
حتى أمس الأربعاء، انتشر “كوفيد-19” في 196 دولة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 16 ألف شخص في جميع أنحاء العالم.
يمكن أن يكون تعقب “المريض رقم صفر” مفتاحا لمعرفة الفيروس الجديد الكامن وراء الجائحة الصحية العالمية المستمرة وكيفية احتواء انتشار الفيروس. ولكن في العديد من الدول المتضررة بشدة، لا أحد يعرف كيف وصل الفيروس إلى هناك أو من أصيب به أولا.
لقد أثبتت الأبحاث أن إيجاد “المريض رقم صفر” في الدول التي أصابها الفيروس مهمة شاقة. ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى فترة الحضانة الطويلة لـ”كوفيد-19″ وانتقاله من إنسان إلى الآخر بدون أعراض واضحة. فيمكن للمصابين الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض العبور من منافذ الدخول دون أن يتم اكتشافهم وينتقل الفيروس للآخرين ويصيبهم بلا شعور، الأمر الذي يجعل من الصعب تتبع مسار العدوى في معظم الحالات.
إليك ما توصلنا إليه حتى الآن عن الحالات الأولى في أربع دول حسبما كشف عنه العلماء وتقارير وسائل الإعلام المختلفة.
الصين
تم العثور على أول حالة مسجلة بعد تشخيصها لاحقا بالإصابة بفيروس كورونا الجديد في مدينة ووهان الصينية في 8 ديسمبر الماضي. وتم إخطار منظمة الصحة العالمية بالتحذير من “الالتهاب الرئوي الناجم عن سبب غير معروف” في الـ31 من الشهر نفسه، حيث أكد مسؤولو الصحة في ووهان وجود 27 حالة إصابة مرتبطة بسوق ووهان للمأكولات البحرية.
أشارت الأبحاث المبكرة إلى أن الفيروس انتقل من الخفافيش، وبالتالي أشارت دراسات لاحقة إلى أن “البنغول” هو عائل الفيروس وقد ينقل الفيروس إلى الإنسان.
والفرضية التي تم الاتفاق عليها على نطاق واسع هي أن تفشي الفيروس بدأ من هذه السوق حيث كان يمكنه أن ينتقل من الحيوان إلى الإنسان قبل أن ينتقل من إنسان إلى آخر.
ومع ذلك، وفقا لدراسة أجراها باحثون صينيون نشرت في مجلة “ذا لانسيت” في 24 يناير الماضي، فقد ظهرت أعراض على “المريض رقم صفر” تتوافق مع “كوفيد-19” في أول ديسمبر وبدون أي تواصل بالسوق.
وإضافة إلى ذلك، هل كانت ووهان هي المنبع الحقيقي لتفشي الفيروس، لا يزال هذا الأمر غير مؤكد. قال كبير علماء الأوبئة في الصين تشونغ نان شان في مؤتمر صحفي مؤخرا إنه لا يوجد دليل واضح على أن “كوفيد-19” نشأ في ووهان.
إيطاليا
في منتصف مارس الجاري، أصبحت إيطاليا مركزا جديدا لتفشي “كوفيد-19” وكانت من أوائل الدول التي علقت كافة الرحلات الجوية من الصين في نهاية يناير الماضي، بعد أن تم تشخيص إصابة اثنين من السياح الصينيين بفيروس كورونا الجديد في روما. لكن بعض الخبراء يعتقدون أن تفشي المرض في البلاد بدأ قبل حظر السفر.
ظهر التفشي الجماعي الذي لم يتمكن أحد من تفسيره حتى الآن في منطقة لومباردي في شمالي إيطاليا في 21 فبراير الماضي. حيث جاء رجل يبلغ من العمر 38 عاما يدعي ماتياس من بلدة كودوجنو بالقرب من ميلانو، يعتقد أنه مصدر تفشي العدوى في منطقة كودوجينو ومنطقة فينيتو.
هذا الرجل الذي يعد “المريض رقم صفر” في إيطاليا، لم يسافر إلى الصين. وزميله، أشير إلى أنه “المريض رقم صفر” الذي عاد مؤخرا من الصين بعد رحلة عمل، لكنه سجل نتيجة سلبية في الاختبار في وقت لاحق.
وقال مدير معهد البحوث الطبية الحيوية ماسيمو جالي لرويترز، إن الوباء ربما كان يظهر من فترة طويلة قبل أن تظهر الأعراض على “المريض رقم صفر” في إيطاليا. من خلال تحليل التسلسل الجيني للفيروس، وجد فريق جالي أدلة تشير إلى أن الفيروس انتقل إلى إيطاليا من قبل شخص مصاب في مدينة ميونيخ الألمانية بين الفترة من الـ19 والـ22 من يناير الماضي.
الولايات المتحدة
تم الإعلان عن أول حالة مؤكدة بالإصابة بفيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة في 20 يناير الماضي. وكان رجلا يبلغ من العمر 35 عاما من ولاية واشنطن، وعاد من ووهان منذ فترة قصيرة، ظهرت عليه أعراض السعال الجاف المستمر والقيء.
وفقا لتقرير بلومبرغ، ذهب الرجل إلى عيادة رعاية عاجلة في ضاحية سياتل في 19 يناير، بعد أربعة أيام من عودته إلى البلاد. وقد استخدم وسائل النقل العامة مع ركاب آخرين أثناء عودته من المطار إلى منزله.
إيران
في إيران، حيث تم الإعلان عن تسارع الزيادة في أعداد حالات الإصابة المؤكدة، يعتقد أن تاجرا من مدينة قم لم يتم الإعلان عن اسمه، كان يسافر إلى الصين في رحلات عمل بشكل دوري، من المرجح أن يكون هو “المريض رقم صفر”، وفقا لتصريح وزير الصحة الإيراني سعيد نماكي. وتوفي التاجر جراء الإصابة بـ”كوفيد-19″، بعد سفره للصين في رحلات غير مباشرة على خلفية تعليق الرحلات الجوية المباشرة.
إيران تعد أكثر البلدان تضررا بفيروس كورونا المستجد في الشرق الأوسط.
الحقائق والأدلة الهامة
أوضح مدير الشبكة العالمية للإنذار بالأمراض المتفشية والاستجابة لها (GOARN) دايل فيشر، أن عدم معرفة مصدر المرض يمكن أن يجعل إجراءات الاحتواء أقل فعالية. أدلى فيشر بهذا التصريح أثناء مؤتمر عقد فبراير الماضي عقب “الانتشار المتسارع” للعدوى في سنغافورة، حيث اعتقد أن عقد المؤتمر يجلب إمكانية انتشار المرض في دول متعددة.
يجب أخذ عاملين في الاعتبار من أجل تحديد مصدر الفيروس — أحدهما هو تتبع الوقت الذي ظهر فيه الفيروس لأول مرة؛ وقال تشانغ ون هونغ، مدير فريق خبراء مواجهة “كوفيد-19” في شانغهاي في مقابلة مع وسائل الإعلام الصينية أن العامل الثاني هو تسلسل جينات الفيروس وإيجاد جذور شجرة العائلة الجينية الخاصة به.
وحذر من أنه من الضروري تقديم أدلة التسلسل الجيني عندما يدعي أي شخص التوصل إلى “المريض رقم صفر”. وقال “أثق فقط في الأدلة ونتيجة التسلسل الجيني”.
وفقا لعلماء الأوبئة، فإن تحديد المريض رقم صفر أمر بالغ الأهمية لتتبع البنية الجينية للفيروس، وفهم كيفية حدوث العدوى، ومعرفة ما إذا كان هناك تغيير في البنية الجينية للفيروس. يمكن أن يساعد تتبع الأشخاص الذين كانوا على التواصل مع “المريض رقم صفر” في كبح انتقال العدوى في المستقبل.
ولكن بيانات التسلسل الجيني يمكن أن تأتي فقط من المصابين الذين تم تشخيصهم، للبحث عن الأشخاص الذين لم تكتشف إصاباتهم، لا يزال يعتمد العاملون في القطاع الصحي على تتبع مسار الاتصال، بحسب موقع أخبار “STAT” الأمريكي.
عندما يتم التأكد من إصابة أحد الأشخاص، يجب تحديد جميع من تواصل معهم، ووضعهم تحت الملاحظة الطبية. وقال عالم الأوبئة الدكتور ماثيو كارتر، في مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية الأمريكية، إذا أصيب أي شخص ممن كانوا في حلقة الاتصال الأولى، قد يؤدي هذا إلى دورة ثانية من تتبع التواصل.
يمكن أن يزيد من ضغوط العمل بشكل كبير مع انتشار الفيروس.
في الهند، قام مسؤولو الصحة المحليون بتتبع قرابة 2666 شخصا عندما تم الإبلاغ عن أول حالة مؤكدة في كارناتاكا، جنوب غربي الهند.
قد يتم إعطاء معلومات اتصال غير صحيحة خلال التتبع. قد يكون هناك أيضا عدم امتثال الأشخاص الذين تم التوصل إليهم.
حذر العلماء من أنه على الرغم من أن تحديد “المريض رقم صفر” هام للغاية، إلا أنه يجب ألا يثير ذلك التمييز والعنصرية. حيث أدى البحث عن “المريض رقم صفر” في إيطاليا إلى استهداف المجمعات السكنية الآسيوية، وتعرضها للتهديدات وحتى للهجمات العنيفة.
مع استمرار التدافع العالمي للبحث عن “المريض رقم صفر”، إن مشاركة البيانات والتسلسل الجيني قد تمكن العلماء من تتبع وباء “كوفيد-19” ورصده بشكل أسرع وأكثر فعالية، كما تحديد مصدر الفيروس سيساعد في تقديم معلومات مرجعية لصانعي القرار في مجال الصحة العامة لتركيز الموارد في المكان المهم لاحتواء تفشي المرض، في ظل ظهور حالات مؤكدة جديدة يوميا.