مرتبط
هل نحن بحاجة للقاح نفسي ضد الكورونا؟!
بقلم: بيان عبدالله – طالبة صيدلة سنة رابعة / جامعة مؤته
عند إعادة النظر في تاريخ الأوبئة التي شهدتها البشريّة على مرّ العصور فإننا سنلاحظ أثرها الكبير جدًّا على سَير المجتمعات مُتمثَّلا بهيكلتها من جديد إما سلبًا أو إيجابًا اعتمادً على مدى مرونة الحكومات و استجابة شعوبها للتغيير الحتميّ.
و ها نحنُ نشهد ظرفًا وبائيًّا غير مألوف لدى المجتمع الأردنيّ تحديدًا؛ و هذا بلا شكّ يُجبرنا الوقوف على المحكّ فإمّا المواجهة الممنهجة و المدروسة أو الاستسلام.
و بينما تتصارع كِبار شركات الصناعات الدوائيّة عالميًّا و تتسابق لإنتاج لقاح ضد الكوفيد 19؛ يخرج أمامنا سؤال مهم: هل نحن بحاجة للقاحٍ نفسيّ خلال و بعد انتهاء هذه الجائحة؟!
استطاع مفهوم الصحة النفسيّة أن يأخذ حيّزًا علميًّا و طبيًّا و بحثيًّا كذلك في دول العالم المتقدم؛ و تطوّر هذا المفهوم من مجرد مؤشرٍ يوحي بالجنون أو الترف أحيانا إلى ضرورة مُلحّة؛ فالشعوب الأقوى نفسيًّا هي الأقدر و الأجدر على مواجهة الأزمات و الخروج منها بأقل الخسائر.
لا أحد منا يستطيع إنكار الأثر الخطير للكورونا على الصحة الجسدية لدى الجماعات بمختلف أطيافها و قدرتها على الفتك بحياة الكثيرين و هذا ما تتضمنه آلاف الأبحاث العلمية حاليا. و لكن، ماذا عن تأثير الكورونا على الصحة النفسيّة؟!
تُشير دراسة إيطالية بعنوان:
Anxiety and depression in COVID-19 survivors: Role of inflammatory and clinical Predictors.
و التي أُجريت على 402 مريض بعد شهر من تلقيهم العلاج في المستشفى إلى أنّ 31% منهم عانى من الاكتئاب و 42% عانى من القلق أو التوتر الزائد؛ حيث كان للنساء و الأشخاص اللذين لهم تاريخ مسبق مع الأمراض النفسية نصيب الأسد .
و بحسب مقال مراجعة علميّ آخر بعنوان:
Mental health effects of COVID-19 pandemic: A review of clinical and psychological traits.
حيث تم تحليل و مراجعة 65 ورقة علمية بين أبحاث و تقارير و مقالات مراجعة و غيرها؛ حصلوا على نتائج في غاية الأهمية حول تأثير جائحة كورونا نفسيا على فئات مختلفة من المجتمع؛ حيث أنها تشكل توترا إضافيا للمصابين و لغير المصابين بالفيروس عالميا؛ و من هذه الفئات:
-مرضى الزهايمر: إن القدرة الإدراكية المنعدمة أو الشبه منعدمة لديهم بخطورة الحال الوبائي اللذي يعيشونه يجعلهم عُرضة لعدم تطبيق قوانين السلامة العامة من ارتداء الكمامات أو التباعد الاجتماعي و غيره مما يشكّل مسؤولية أكبر على دور رعايتهم.
– الأطفال: من أكثر الفئات المعرضة للاضطرابات النفسية خلال هذه الجائحة أو بعدها؛ نظرًا لوجود فجوة الوعي بين الأخبار الواصلة إليهم و رغبتهم في القيام بما اعتادوه في حياتهم الطبيعية.
ASC: Autism spectrum condition
أو الأطفال المصابين بالتوحد؛ هم الأكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية مقارنة بالأطفال الآخرين؛ نظرًا لحاجتهم لعناية و رعاية خاصة تتماشى مع ظرفهم الصحي.
-أعضاء الطاقم الطبيّ: إنها الفئة الوحيدة التي كانت في مواجهة مباشرة مع خطر الإصابة بالفيروس و التي وقعت تحت ضغط نفسيّ و عمليّ كبير نظرًا لتقديمهم الرعاية الصحية للمرضى على مدار ال 24 ساعة كاملة و هذا بلا شكّ يجعلهم عرضة للاكتئاب و الاضطرابات النفسية مستقبلا.
إذًا ما العِبرة المستفادة من السّرد السابق؟!
يجب أن تتنبّه الحكومات لضرورة إيلاء الصحة النفسيّة أهمية كُبرى و امتلاك نظرة بعيدة للمستقبل فنحن لا نريد أن ينتهي الحال بمجتمعنا أن يكون خاليًا من الفيروس و لكنه مُنهك نفسيا غير قادر على الإنتاج بعدما تعود الحياة لطبيعتها و خصيصًا طلبة المدارس و الجامعات؛ فلا مزيد من التهويل الإعلامي و الإخباري حول جائحة كورونا بل يجب أن يتم نقل الأخبار بموضوعية و شفافيّة و الأخذ برأي المختصين لمعرفة المرحلة و المستوى الوبائي اللذي وصلت إليه المنطقة لتكون المعلومة دقيقة حيث يتم الاعتماد عليها في أخذ القرارات المختلفة و أن تكون بعيدة عن المبالغة التي لا تزيد نفوس المواطنين سوى توترًا و قلقًا إضافيين، و بعيدة كذلك عن التراخي و الاستهانة بهذا الظرف الاستثنائي حتى لا نتعرض لانتكاسة وبائية إن صحّ التعبير كما حدث في بعض الدول.
كما و أنه لا بد أن يتم السيطرة بشكل أو بآخر على مصادر الإشاعات الكورونية التي تنتشر كالذباب في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي؛ و هذا ما يزيد الطّين بِلّة لا سيما أن الأطفال و الشباب لديهم تواجد كثيف و احتكاك مباشر مع السوشيال ميديا.
و يأتي دور العائلة كذلك؛ حيث من الواجب أن تتكاثف و تتكاتف جهودها مع جهود الحكومات عن طريق رفع مستوى الوعي لدى الأبناء بطابع إيجابي لا يخلو من التحذير.
و في النهاية؛ لا بدّ لهذه الأيام من أن تمرّ و تبقى ذكرى في صفحات التاريخ؛ فإما أن ننتصر و نثبت أننا جاهزون لأي تحدٍّ جديد عن طريق تحضير الدفاعات النفسية الواعية أو أن نفشل و نندثر كعوالمَ كثيرة لم يبقَ منها سوى العِمران.