مرتبط
الطب والصيدلة عبر التاريخ

١٧ سبتمبر ٢٠١٨
ظهر التداوي مع أول ظهورٍ للألم، ولذا فهو موجود منذ العصور البدائية الأولى للإنسان، كان يعتمد فيها علىى تقليد الحيوانات وتجربة كل ما يقع في متناوله من نباتات وأعشاب، ثم جاءت المحاولة الأولى لتسجيل الطرق العلاجية والأدوية على أيدي الصينيين القدماء كان ذلك قبل الميلاد بـ٣٠٠٠ عام، تعاقبت عدة حضارات مختلفة مثل بلاد ما بين النهرين –البابليون-، والمصريون القدماء وكان الطب والصيدلة عندهم مهنة واحدة يقوم بها الكهنة ورجال الدين حيث يشخصون المريض ويعالجونه بالأعشاب والتعاويذ والتمائم، حتى جاء الإغريق مستعينين بما أخذوه ممن سبقهم ورفعوا “اسكولاب” إلى مصاف الآلهة ودعوه بـ “إله الشفاء”.
أبقراط – أبو الطب (٤٦٠ – ٣٧٧ ق.م):
فصل “أبقراط” الطب عن الدين، كما وبدأ بوضع أصولٍ للصيدلة كعلم يُدرس، كان طبيبًا يتحلى بصفات حميدة ولا يحبِّذ استعمال الدواء إلا في الحالات القصوى.
جاء بعد الإغريق الرومان فنهلوا من معين الإغريق ومن سبقهم، وكان لديهم نخبة من العلماء العظام أمثال: أندروماك، وديوسقوريدس، وهو واضع أسس علم العقاقير (pharmacognosy)، وأخيرًا:
جالينوس – أبو الصيدلة (١٣٠ – ٢٠١ م):
الذي أصبح اسمه مرتبطًا بفئة هامة من المستحضرات الصيدلية مازالت تحمل اسمه حتى الآن، وهي المستحضرات “الجالينية” أو ” الجالينوسية” (Galenicols).
مرت قرونٌ من الجهل وانتشار للخرافات بعد وفاة جالينوس حتى ظهر الإسلام ونوره، وكانت بغداد هي مهد هذه النهضة العلمية للحضارة الإسلامية ثم بدأت بالانتشار إلى بقية العواصم الإسلامية الأخرى كتونس و دمشق والقاهرة، فجلب المسلمون جميع المخطوطات والكتب من كل الأقطار وشرعوا في ترجمتها إلى العربية، وقد اعتُبرت اللغة العربية هي لغة العلم في القرن التاسع الميلادي، وهنا المفارقة فقد كانت الأمية تملأ أوروبا في حين أنه لم يكن هناك أميٌّ واحد في الأندلس.
العرب هم أيضًا من وضع نظام الحسبة وهو نظام يقوم على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووظيفة المحتسب تقوم على إسداء النصح لجميع أصحاب المهن الحرة بصفةٍ عامة وكان من ضمنهم الأطباء والصيادلة، ولذا كان لابد من أن تتوفر في المحتسب صفاتٍ معينة أهمها: العفة والورع والعلم والغنى والحنكة والفطنة وغيرها.
وهنا نخبة من علماء العرب والمسلمين الذين ساهموا في تطور مهنتي الطب والصيدلة بشكل كبير:
١- جابر بن حيان:
“شيخ الكيميائيين العرب”، فهو الذي ثبت دعائم هذا العلم ليكون علمًأ قائمًا بذاته.
٢- حنين بن إسحق:
من أشهر المترجمين العرب وكان يتقاضى من الخليفة وزن ترجماته ذهبًأ فكان من جشعه يستخدم الورق السميك، ومع ذلك فقد أغنى المكتبة العربية بترجماته حيث ترجم ما مجموعه ٩٢ كتابًا كما ألف وشرح واختصر ١٥ كتابًا منها لأبقراط وجالينوس.
٣- أبو بكر الرازي:
أول من وصف الحساسية التي تسببها حبوب اللقاح، كما اكتشف أثر الضوء على حدقة العين واتساعها في الظلام وانقباضها في الضوء، وأشهر كتبه ” الحاوي” الذي ظلت أوروبا تستخدمه مرجعًا لها حتى القرن السادس عشر.
٤- الزهراوي:
“جراح العرب” له الفضل في تثبيت أسس الجراحة وابتكاره لمالا يقل عن ٢٠٠ آلة جراحية، وابتكر آلة تفتت حصوات المثانة، والحقنة الشرجية، وأهم كتبه ” التصريف لما عجز عن التأليف”
٥- ابن سينا:
“الشيخ الرئيس” أعظم أطباء العرب والمسلمين قاطبة، بحث في الحميات و الحصبة والجدري، وهو أل من تنبأ بوجود الجراثيم المتناهية في الصغر والتي نعرفها اليوم بالفيروسات والبكيتيريا والفطريات، وأشهر كتبه “القانون” ظل معتمدًا في جامعة مونبلييه بفرنسا حتى القرن السادس عشر.
٦- ابن البيطار:
ولد بالأندلس وسافر إلى المشرق وفي مصر عينه الملك العادل رئيسًا للعشابين، أهم كتبه “الجامع لمفردات الأدوية والأغذية” ويُعد موسوعة ضخمة في موضوعه، وظل هذا الكتاب يدرس في جامعات أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
٧- داوود الأنطاكي:
يعتبر آخر ممثل للطب العربي فقد بدأ العثمانيون ببسط نفوذهم، ولذا فإنه يمكن القول أن الطب العربي بدأ بمعاوية بن أبي سفيان وانتهى بوفاة الأنطاكي وهذا ما يقارب الثمانية قرون تقريبًا. كان الأنطاكي ضريرًا وكسيحًا ومع ذلك فقد درس الطب وسافر طلبًا للعلم وكان بارعًا في المنطق والفلسفة والفلك. أشهر وأفضل كتبه ” تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب العجاب في الطب” يحتوي هذا الكتاب على مالا يقل عن ١٧١٢ صنفًا من الأدوية في حين أن القانون به مالا يقل عن ٨٠٠ صنف.
٨- صالح سلوم:
يمكن القول أن به بدأت الترجمة عن الغرب في العلوم الطبية وقد كان هذا في القرن سابع عشر بحلب.
٩- الغافقي:
امتاز الغافقي بالزهد لم بخدم بالطب ملكًا أو أميرًا، أشهر كتبه “الأدوية المفردة” والذي حواه، بعد أن قسمه أبجديًا، من الحرف أ إلى الحرف ز على ١٨٥٨ مادة طبية.
وهكذا فقد ساهم العرب على نحو كبير في تطور مهنتي الصيدلة والطب وكانوا هم أوّل من فصل بين المهنتين، فلم يعد يقوم الطبيب بصرف الدواء للمريض بل أصبح لهذه المهمة رجل آخر ضليع في هذه المهنة، كما أنهم أول من أخضع الأطباء لامتحان قبل الترخيص بمزاولة المهنة، فقد صادف عام ٩٣٠ م أن علم الخليفة المقتدر بالله عن وفاة أحد المرضى نتيجة خطأ ارتكبه أحد الأطباء، فأمر الخليفة رئيس أطبائه سنان بن ثابت أن ينظم امتحانًا لكل الأطباء وكانت بغداد كالعادة هي السابقة.
المصدر: سلسلة عالم المعرفة: الدواء من فجر التاريخ إلى اليوم