مرتبط
د. روان عبد السلام تكتب حول: مقاومة المضادات الحيوية الجائحة الصامتة
قد يكون موضوع المضادات الحيوية و خطورة مقاومة المضادات الحيوية من أكثر ما يتم تداوله و التوعية به نظراً لبالغ أهمية هذا الموضوع ، و ازدياد الممارسات الخاطئة في استخدام المضادات الحيوية،
و خصوصاً في الوقت الحالي و نحن نعيش أزمة كوفيد ١٩ الحالية ، فقد أصبح الأشخاص يتوافدون على نصح بعضهم و تناقل المعلومات بينهم بأخذ المضادات الحيوية و خاصة تركيبة Azithromycin كعلاج أو حتى وقاية.
و هنا من المهم أن نشير إلى أنه صحيح أنه وجدت بعض الدراسات على مستوى المختبر بأن الأزيثرومايسين له تأثير مضاد للالتهاب anti inflammatory ، و لكن لا يوجد أي دليل أن هذا الأمر يساعد في الكوفيد ١٩، و يبقى الدواء مضاداً حيوياً إذا أخذ بدون داعي يسبب مضاراً و آثاراً جانبية ، فلا يجب استخدام المضادات الحيوية إلا في حالات معينة يقررها الطبيب المعالج، لأنه أحياناً عند الإصابة بعدوى فيروسية من الممكن أن يضعف جهاز المناعة فتهاجم البكتيريا الجسم بسهولة محدثة عدوى بكتيرية مصاحبة للعدوى الفيروسية ، فمن الممكن عندها إعطاء المضاد الحيوي من قبل الطبيب .
و حتى نوضح الصورة أكثر لنشرح ماهي المضادات الحيوية و لماذا تستخدم و ماهي الاثار الجانبية لإساءة استخدامها.
المضادات الحيوية(Antibiotics) التي تعد من أكثر الأدوية التي تصرف من قبل الأطباء هي أدوية تستخدم لعلاج أو الوقاية في بعض الحالات من الالتهابات البكتيرية فقط ، فهي إما تقتل أو تثبط نمو و تكاثر الجراثيم، و تنتمي إلى مجموعة أوسع من المركبات المضادة للأحياء الدقيقة ، و تستخدم لعلاج الأخماج التي تسببها الكائنات الحية الدقيقة بما في ذلك الفطريات و الطفيليات، و ليست فعالة على الإطلاق تجاه الالتهابات الفيروسية مثل نزلات البرد common colds و الانفلونزا و التهابات الحلق الفيروسية .
و أول من صاغ مصطلح المضادات الحيوية كان العالم واكسمان عام ١٩٤٢. و يعد ألكسندر فليمنج أول من اكتشف المضادات الحيوية الحديثة (البنسيلين )عام ١٩٢٨، و أدى هذا إلى إحداث نقلة هائلة في عالم الطب إذ أصبح الأطباء قادرين على علاج أمراض كالسل .
و تقسم من حيث المنشأ إلى مضادات حيوية طبيعية التي لاتزال تنتج بعزلها من كائنات حية مثل أمينوغليكوزيد (Aminoglycosides)، و هناك مضادات حيوية مصنعة بشكل كامل مثل السلفوناميدات (Sulphonamides)، و هناك مضادات حيوية شبه مصنعة و معدلة كيميائياً من مركبات أصلية موجودة في الطبيعة مثل البنيسلين التي تنتجها الفطريات من صنف البنسيليوم.
كما تصنف المضادات الحيوية إلى مجموعتين واسعتين وفقاً لتأثيرها على الكائنات الدقيقة :
- مجموعة العوامل القاتلة للمتعضيات الدقيقة (bactericidal agents)
- و مجموعة العوامل المثبطة لها (Bacteriostatic agents).
- كما تقسم المضادات الحيوية إلى واسعة النطاق تستهدف شريحة واسعة من السلالات البكتيرية و مضادات حيوية ضيقة النطاق تستهدف بضعة أنواع من السلالات البكتيرية المسببة للأمراض ، وهذا ما يفسر توفر العديد من أنواع المضادات الحيوية المتوفرة في الصيدليات فليس كل مضاد حيوي يقتل أي بكتيريا
- و يحدد الطبيب نوعية المضاد الحيوي المناسبة للمريض اعتماداً على نوع البكتيريا المسببة للمرض و شدة العدوى و العمر و الوزن ووجود الأمراض و سلامة الكلى و الكبد و وجود الحمل والرضاعة لدى المرأة بالإضافة لسعر المضاد ووجود تحسس للمضاد الحيوي و الأدوية التي يأخذها المريض ، كل هذه العوامل تلعب دوراً مهماً في اختيار المضاد الحيوي المناسب للمريض.ففي حالات العدوى الشديدة يجري عادة إعطاء المضادات الحيوية عن طريق الحقن أولاً في الوريد عادة و تعطى أحياناً في العضل ، و عندما يجري ضبط العدوى يمكن بعدها أخذ المضادات الحيوية عن طريق الفم .
- أما بالنسبة للعدوى التي تكون أقل شدة يمكن إعطاء المضادات الحيوية عن طريق الفم من البداية.قد يحتاج الأطباء إلى وصف توليفة من المضادات الحيوية لمعالجة حالات العدوى التالية :
- ١-العدوى الشديدة خصوصاً في أثناء الأيام الأولى عندما لا يُعرف تأثر البكتيريا بالمضادات الحيوية .
- ٢- أنواع معينة من العدوى التي تنتج عن بكتيريا تصبح مقاومة لمضاد حيوي واحد بسرعة .
- ٣- العدوى الناجمة عن أكثر من نوع من البكتيريا إذا كان كل نوع يتأثر بمضاد حيوي مختلف.
- و يعد أخذ المضادات الحيوية وفقا ً لتوجيهات الطبيب و الصيدلاني أمراً في غاية الأهمية للشفاء من العدوى و الوقاية من أن تصبح البكتيريا مقاومة للمضاد الحيوي .
- و للأسف كثير من الأشخاص يقومون بتناول المضادات الحيوية عند شعورهم بأي توعك دون التأكد من حاجتهم لتناول هذه الأدوية، لذلك أصبح مهماً جداً أن نقوم بتوعية المرضى بموضوع مقاومة المضادات الحيوية و كيفية استخدامها بالشكل الصحيح الرشيد حتى لا نقع بهذا الخطر الشديد مستقبلاً الذي يهدد البشرية، و نصل لمرحلة أن جميع المضادات الحيوية أصبحت مقاومة و لا نستطيع علاج حالات عدوى بكتيرية بسيطة كانت في الماضي المضادات قادرة على علاجها قبل حصول مقاومة البكتيريا لها .
- ففي كل مرة يقوم الشخص بتناول مضاد حيوي و هو ليس بحاجة له و من غير استشارة الطبيب و الصيدلاني سيُصبِح هناك عدد أكبر من البكتيريا التي سيُصبِح من الصعب القضاء عليها عن طريق المضادات الحيوية و هذا ما نعني به مقاومة المضادات الحيوية (Antibiotic Resistance) ، التي تنتج عن بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية و هذه البكتيريا هي أقوى من غيرها، كما تسبب أمراضاً أكثر خطورة و لعلاجها نحتاج إلى مضاد حيوي أقوى و الذي من الممكن أن يترك آثاراً جانبية أكثر من الأدوية المعروفة، كما سيكون مكلفاً أكثر على المريض و سيشكل عبئاً أكبر على الطاقم الصحي .
- ولن يتوقف الخطر على هذا فقط بل من الممكن أن تنقل بعض هذه البكتيريا خصائص مقاومة المضادات الحيوية إلى بكتيريا أخرى و هنا تكمن الخطورة .
- فتناول المضادات الحيوية في غير حاجة لها لن يساعد على الشفاء أو يمنع انتقال العدوى إلى الآخرين على العكس فإن تناولها سيعرض الشخص للعديد من الآثار الجانبية فهي كغيرها من الأدوية ترتبط ببعض الآثار الجانبية، بالإضافة إلى خطر مقاومة المضادات الحيوية الذي سبق و نوهنا له، فهناك أعراض مثل القيء و الغثيان و الإسهال و ألم في المعدة .
- وقد يحدث رد فعل تحسسي لبعض أنواع المضادات مثل البنيسيلين .
- كما قد تسبب المضادات الحيوية الإصابة بالمطثية العسيرة (Clostridium Difficle) التي تسبب الالتهابات القولونية.بالإضافة للإصابة لفطريات المهبل عند النساء (vaginal yeast infections) ، حيث أن تناول المضادات الحيوية في غير داعي يعمل على قتل البكتيريا النافعة في الجسم .
- لذلك نشدد هنا على ضرورة الالتزام من قبلنا جميعاً كأطباء و صيادلة و مرضى بالاستخدام الصحيح الرشيد للمضادات الحيوية ، فيجب على المريض الالتزام الصارم بكيفية تعاطي المضاد الحيوي المحددة من قبل الطبيب و الصيدلاني ، فإن وصف له المضاد ثلاث مرات يومياً فهذا يعني أن يأخذه كل ثمان 8 ساعات، كما يجب الالتزام بالمدة المحددة فإذا كان من المقرر تعاطي المضاد الحيوي لمدة ٥ أيام فإنه يجب تعاطيه طول هذه الفترة و لا يجوز إيقافه بعد الشعور بالتحسن بيومين كما هو شائع للأسف، لأنه لن يتم القضاء على البكتيريا بشكل كامل ، و سوف يعود المرض و تصبح البكتيريا مقاومة كما يجب عدم زيادة الجرعة المطلوبة أو تغيير موعد تناولها من قبل المريض .
- و يعد الماء أفضل مشروب لتعاطي المضاد الحيوي معه فعلى سبيل المثال(Tetracycline ) تتراسايكلن؛ تتأثر بالمنتجات التي تحتوي على الكالسيوم مثل الحليب و الأجبان و الألبان، فيجب عدم أخذها معها.
- و بعض المضادات الحيوية مثل الازيثرومايسين(Azithromycin) يجب أخذها قبل الطعام بساعة أو بعد الطعام بساعتين لأن امتصاصها يتأثر ، كما أنه يجب أخذ الحيطة من التعرض للشمس عند تناول تتراسايكلن (Tetracycline) و يفضّل استخدام واقي للشمس .
- كل هذه الأمور يجب استشارة الصيدلاني بها و الالتزام بتعليماته .
- و من المهم عدم مشاركة المضاد الحيوي مع الآخرين، فقد يكون سبب الالتهاب أو العدوى مختلفاً عن حالته، و بالتالي تستدعي إجراءات طبية مختلفة.
- كما يجب عدم الضغط على الصيدلاني و الطبيب في حال نصحهم للمريض بعدم حاجته للمضاد الحيوي.
- من المهم حماية النفس من الإصابة بالأمراض و التأكد من غسل اليدين دائماً باستخدام الماء و الصابون، و أخذ لقاح الانفلونزا و اللقاحات الأخرى التي يحتاجها.
- و تجدر الإشارة إلى أهمية إخبار الصيدلاني و الطبيب إذا كان المريض يعاني أي حساسية اتجاه أي نوع من المضادات الحيوية و في حالة وجود الحمل أو محاولة الحمل عند المرأة.
- وفي حال تناول المريض أي أدويةأخرى أو مكملات فالمضادات الحيوية تقلل من فاعلية أدوية منع الحمل (oral contraceptives)، و تتداخل مع مضادات الحموضة .
- في حالة الحمل يجب استشارة الطبيب طبعاً و غالبية أدوية البنيسلين و السيفالوسبورين آمنة بالنسبة للحوامل ثم يأتي بعدها ماكرولايد (Macrolides) ؛ مثل اريثرومايسين و ازيثرومايسين من ناحية الأمان، و يجب تجنب تناول أدوية التتراسايكلن و (quinolone) و )Trimethoprim) – (Sulfamethoxazole، لأنها تؤثر على الحمل.
- أما بالنسبة للأطفال يجب عدم استخدام (Tetracycline ) إلا بعد سن الثامنة ؛ حيث ممكن أن يسبب تلون دائم للأسنان، أما أدوية (Quinolone ) يجب أن لا تستخدم إلا بعد استشارة الطبيب لأنها قد تسبب ضرراً على المفاصل .
- و بالنسبة لدواء (Trimethoprim-sulfamethoxazole ) ، يجب أن لا يستخدم في الأطفال أقل من شهرين .
- وعند نسيان المريض تناول الجرعة فعليه أخذها بأقرب وقت ممكن لكي يحافظ على كمية ثابتة من الدواء في الجسم .
- و عليه تجنب أخذ الجرعة المفقودة إذا كان وقت تناول الجرعة التالية قريباًو يجب عدم مضاعفة الجرعة التالية لتعويض النقص الحاصل .
- و في حال وجود الدواء على هيئة سائل يجب أن يرج قبل الاستخدام ، و يفضّل استخدام المكيال المرفق بالعبوة لكي يتم تناول الجرعةالصحيحة.
- بعض المضادات الحيوية مدة صلاحيتها تختلف بعد حلها أو إضافة الماء إليها حيث أن تاريخ الصلاحية غالباً ما يكون مدة أسبوعين بعد حل الدواء و يتطلب حفظه في الثلاجة خلال هذه الفترة ، و بعدها يتم التخلص منه.
- وأختم حديثي بأن مقاومة المضادات الحيوية هي الجائحة الصامتة التي لاتقل خطورة عن جائحة كوفيد ١٩ لذلك أتمنى من الجميع سواء العاملين في القطاع الطبي من صيادلة و أطباء و سواء المرضى من أخذ الموضوع على محمل الجد، و الالتزام بالاستخدام الرشيد للمضادات الحيوية حتى لا نصل لخطر مقاومة المضادات الحيوية .مع تمنياتي للجميع بالصحة و العافية .