د. ضرار بلعاوي يكتب: زوبعة اعلامية (في فنجان) حول دراسة علمية من بريطانيا عن عدم وجود علاقة بين السيروتونين serotonin واضطراب الاكتئاب major depressive disorder

د. ضرار بلعاوي يكتب: زوبعة اعلامية (في فنجان) حول دراسة علمية من بريطانيا عن عدم وجود علاقة بين السيروتونين serotonin واضطراب الاكتئاب major depressive disorder

وأجد من الضروري وضع الايضاحات التالية:

  1. هذه الورقة هي “مراجعة منهجية” systematic review، وليست بحثاً علمياً أصلياً original article ذا نتائج جديدة!
  2. لم تقدم هذه الورقة أي نتائج جديدة ولكنها فقط لخّصت (وبشكل منقوص) نتائج تم نشرها في أبحاث سابقة. إن فكرة أنّ الاكتئاب ينتج بسبب “اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ” عفا عليها الزمن، وكتبتْ الكلية الملكية للأطباء النفسيين أن هذا كان تبسيطًا مفرطًا في بيان نُشر في عام 2019. كما يبدو أنّ مؤلفي الورقة قد أخطؤوا في شرح وتوصيف عمل مستقبلات 5HT-1A في الدماغ قبل وبعد التشابك العصبي، مما زاد الطينَ بلةً في توضيح الفيزيولوجيا المرضية للاكتئاب!
  3. الفرضية serotonin hypothesis التي وضعها العلماء في منتصف القرن العشرين: أنّ الاكتئاب نتاج اختلال التوازن الكيميائي في مادة السيروتونين، خطوة مهمة فتحت الآفاق لأبحاث المستقبل. منذ ذلك الحين، هناك قدر هائل من الأبحاث التي تخبرنا أن أنظمة السيروتونين في الدماغ تلعب أدوارًا مهمة جدًا في كيفية معالجة أدمغتنا للمشاعر المختلفة. ولقد طور العلماء مؤخرًا تقنية لقياس إفراز السيروتونين في دماغ الإنسان الحي، وفي الدراسة الأولى من هذا النوع (وهي قيد المراجعة حاليًا) وجد العلماء انخفاضًا في قدرة إطلاق السيروتونين لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب.
  4. ما نعرفه بالبراهين أنّ عمل مضادات الاكتئاب SSRIs الفوري يتمثّل في تغيير التوازن بين تركيزات السيروتونين داخل وخارج الخلايا العصبية ،ولكن “من شبه المؤكد” أن يكون تأثيرهم المضاد للاكتئاب بسبب “تغييرات أكثر تعقيدًا في وظائف الخلايا العصبية” والتي تحدث لاحقًا نتيجة لذلك (حتى لو لم نكن نعرف حتى الآن كيف هو هذا..!). لذلك، قولنا أنّ “الاكتئاب ناجم عن انخفاض السيروتونين في الدماغ” صحيحٌ بالدليل العلمي؛ لكن تأكيد أنّ “الاكتئاب مرض واحد مع انخفاض لناقل عصبي كيميائي واحد” خطأٌ وقصر نظر. كما أنّ ربط الدور المحتمل للسيروتونين في الاكتئاب بالتأثيرات المبرهنة للأدوية المضادة للاكتئاب SSRIs غير صحيح علمياً، خصوصاً وأنّه تم استخدام هذه الأدوية بنجاح حتى قبل وضع فرضية السيروتونين.
  5. مضادات الاكتئاب علاجات فعالة للاكتئاب (خصوصاً عندما تفشل التداخلات الأخرى مثل: التمارين الرياضية والوعي الذهني والعلاج السلوكي… الخ). لذلك، فمن المهم ألاَّ يتم ثني الأشخاص المصابين بالاكتئاب عن تلقي العلاجات المناسبة، والتي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا لهم ولمن حولهم. الطب النفسي وعلاجاته هو بالضبط كمن ينظر إلى الكرة الأرضية العملاقة، مبهوراً بها، محاولاً فهم الفضاء بتعمّق من خلالها؛ لكنها في الحقيقة ما هي إلَّا ذرة غبار في كون لا أبعاد له!

نحن نصدق العلم

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: