اضطرابات النوم: حين يختل توازن الوظيفة الأهم في حياة الإنسان

اضطرابات النوم: حين يختل توازن الوظيفة الأهم في حياة الإنسان


بقلم: هالة أبو معمر.. صيدلانية ومعلمة طبية

حينما يُغلق الجسد أبوابه على الليل وتغفى العيون، ويبدو أن الإنسان ساكن “لا يفعل شيئًا” سوى الراحة، في الحقيقة هو لا يرتاح هو يبدأ أكثر الوظائف الحيوية أهمية وتعقيدًا في العمل.
هل تساءلت يوماً لماذا ننام؟ لماذا يجب على أجسامنا وأدمغتنا أن تخلد للنوم؟ وما أهمية النوم إذا اتفقنا على أنه وظيفيه بيولوجية أساسيه لا تقل أهمية عن الحاجة للأكل والشرب من أجل البقاء؛
النوم ليس كسلًا، ولا استراحة من الضجيج بل هو عملية فسيولوجية عميقة، منظمة بدقة مذهلة، تُمكّن الدماغ من إعادة التشغيل، وتسمح للجسد أن يُرمم نفسه خليةً.
النوم ليس خمولًا. بل هو إعادة ضبط (Reset) للعواطف، للمناعة، للذاكرة، وللتوازن الهرموني. من دونه، تتعطل العمليات الحيوية كما لو أن جسد الإنسان فقد بوصلته.
السؤال المهم ما الذي يحدث حينما ننام؟
خلال النوم، يخوض الدماغ مراحل متعددة، تبدأ بالنوم الخفيف ثم العميق، وصولًا إلى مرحلة الحلم أو
“نوم حركة العين السريعة” (REM Sleep).
في هذه المراحل، تحدث معجزات صغيرة:
١. تنشط الذاكرة وتُرتب المعلومات.
٢. يتخلّص الدماغ من الفضلات العصبية عبر “النظام اللمفاوي الدماغي” (Glymphatic System).
٣. يُعاد بناء الأنسجة والعضلات.
٤. يُفرَز هرمون النمو، وتُعدّل مستويات الكورتيزول والميلاتونين.
٥. تنخفض نبضات القلب ومعدل التنفس، فيرتاح الجهاز القلبي والعصبي من العبء والاجهاد الذي يتعرض له خلال النهار.
ولكن حين يُصاب هذا النظام الدقيق بالخلل، تظهر الاضطرابات المرتبطة بالنوم أو ما يسمى Sleep Disorders؛
أهم أنواع اضطرابات النوم الشائعة:

  1. الأرق (Insomnia): ويعرف على أنه صعوبة في بدء النوم أو الاستمرار فيه، أو الاستيقاظ مبكرًا مع الشعور بالتعب.
  2. انقطاع النفس أثناء النوم (Sleep Apnea): ويعرف على أنه توقف متكرر في التنفس أثناء النوم تؤثر على الأوكسجين ووعي الشخص في الحلم واليقظة.
  3. متلازمة تململ الساقين (Restless Legs Syndrome – RLS): إحساس مزعج في الساقين مع رغبة مستمرة في تحريكهما.
  4. النوم القهري (Narcolepsy): نوبات نوم مفاجئة خلال النهار، رغم النوم الليلي الجيد.
  5. الباراسومنيا (Parasomnias): مثل المشي أثناء النوم، الكوابيس، أو الحديث الليلي.
  6. اضطرابات الساعة البيولوجية (Circadian Rhythm Disorders): مثل تأخر النوم المزمن أو عدم القدرة على النوم في الوقت المطلوب.
    لم يخيب آمالنا العلم ولم يقف الطب يوماً عاجزاً أو متخاذلاً أمام اي اضطراب فسيولوجي يؤثر على Homeostasis الجسم واتزانه الطبيعي إلا ووجد له الحلول من خلال تقنيات تدريب الدماغ على الاسترخاء ومعالجة الأفكار التي تمنع الدماغ من الراحة والدخول بدورات النوم أو من خلال استخدام الأدوية والمكملات الغذائية تحت إشراف طبي؛
    إذا كيف نُعالِج اضطرابات النوم؟
    بعده طرق أولا: العلاج السلوكي غير الدوائي (Non-Pharmacological Therapy) ويشمل:
    ١. العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I):
    ويُعد الخيار الأول لعلاج الأرق؛ يُعلّم الشخص كيف يُعيد برمجة نومه، ويكسر حلقات القلق المرتبط بالنوم.
    ٢. نظافة النوم (Sleep Hygiene):
    ويشمل تثبيت مواعيد النوم والاستيقاظ، تقليل الإضاءة والشاشات قبل النوم بساعتين على الأقل لتخفيف عبئ الأفكار والمؤثرات على الدماغ لتعزيز دخوله في مرحلة السبات وممارسة الرياضة يوميًا، لكن بعيدًا عن وقت النوم أقلها ساعتين قبل النوم، تقليل الكافيين والوجبات الثقيلة مساءً.
    ثانياً: العلاج الدوائي بالمكملات الغذائية والأدوية (Pharmacological Management)
    أحيانًا لا نحتاج إلى أدوية، بل إلى دعم ناعم يساعد الجسد ليعود إلى طبيعته عن طريق أخذ بعض المكملات الغذائية أو الأعشاب التي تهدئ الجسم وتساهم في دورات نوم صحية ومن اهم المكملات الغذائية الشائعة:
    ١. الميلاتونين (Melatonin): يعرف بأنه هرمون النوم ينظم الساعة البيولوجية – يُستخدم بجرعة 0.5–5 ملغ قبل النوم.
    ٢. المغنيسيوم وتحديداً نوع (Magnesium Glycinate) يهدّئ الأعصاب 200–400 ملغ يوميًا.
    ٣. L-Theanine: ماده مهدئة تزيد من شحنات ألفا في الدماغ موجود في الشاي الأخضر يساعد على الاسترخاء دون نعاس.
    ٤. فيتامين B6 وB12: لدعم إنتاج السيروتونين والميلاتونين.
    ٥. ماده هيدروكسي تيربتوفان (5-HTP) : لتحسين المزاج والنوم لكن لا يُستخدم مع أدوية الاكتئاب.
    ٦. الناردين (Valerian)، البابونج، زهرة الآلام: أعشاب تقليدية ذات أثر مهدئ خفيف.
    مع الأخذ بعين الاعتبار اذا ارتبطت قله النوم بوجود ألم معين في الجسم فبتأكيد علينا معالجة الألم أولا؛
    في الحالات المتوسطة إلى الشديدة، قد يكون الدواء ضرورة مؤقتة وتحت إشراف طبي والأدوية المستخدمة هي:
    ٧. منومات قصيرة الأمد مثل zolpidem والمعروف تجارياً Stilnox .
    ٨. مهدئات و مضادة إكتئاب مثلmirtazapine المعروف تجارياً Remeron .
    ٩. محفزات اليقظة: مثل Modafinil لحالات النوم القهري أو التعب النهاري الشديد ويوجد عليها قيود في كثير من الدول.
    وتبقى الأدوية دائمًا خيارًا طبياً أخيراً خاضعًا لتقييم شامل، ولا ينبغي أن تكون الملاذ الأول أو الأخير دون إشراف طبي نظراً لخطورتها على الدماغ واحتمالات حدوث التعود والإدمان خارج حدود توصيات الطبيب المتخصص.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: