مرتبط
كيف يؤثر القلق والتوتر على وظائف الجسم؟

بقلم هالة أبو معمّر .. صيدلانية ومعلمة طبية
هل شعرت يومًا أن هناك شيئًا ما يأكلك من الداخل؟ صراخ.. فوضى وضجيج لا يهدأ في رأسك، يؤرق نومك، يُرهق ذهنك، يغير ملامح وجهك وتبدو باهتاً..
هل جرّبت أن تُنصت حقًا إلى جسدك؟ إلى أصوات جوفك التي تشكي نيابة عن لسانك! تلك الحركة غير الطبيعية في قولونك العصبي، وذلك الألم الغريب في رأس معدتك… والشدّ المزعج في عضلاتك؟ لم يأتي عبثاً!
هل شعرت بآنك لا تستطيع التنفس وكأن ثمة حبل يلتف حول رقبتك يحبس انفاسك وأحيانا كأن حجر يستقر في حنجرتك يمنعك من البكاء او الصراخ او الكلام هذه الأحاسيس ليست دراما، وليست ترفًا عاطفيًا أو وهمًا يُضللك به دماغك. بل هي لغة الجسد الدقيقة، الصادقة، التي لا تعرف التزييف.
عندما يعجز لسانك عن البوح، يتحدث جسدك، حين تتجاهل مشاعرك، يحتج قولونك، وحينما تقلق، يظهر ذلك في نومك، في جلدك، في مناعتك، في هضمك، في نبضك، هذه ليست مصادفات.. بل علمٌ واضح في كتبه ومقالاته، بدأ يُفسر لنا ما ظل صامتًا لقرون: كيف يختزن الدماغ مشاعرنا، وكيف يترجمها إلى أعراض جسدية، هنا تبدأ رحلتنا لفهم التوتر من الداخل إلى الخارج. حين يشعر الإنسان بخطر، أو حتى بمجرد تهديد نفسي خفي (مثل توتر، قلق، كلمة جارحة، أو خوف من فقد)،
يقوم الدماغ فورًا بتفعيل نظام الإنذار الداخلي المعروف بـ: HPA Axis(Hypothalamic–Pituitary–Adrenal Axis)
هذه الشبكة العصبية الهرمونية، تبدأ من الهيبوثالاموس (غدة صغيرة جدًا في مركز الدماغ) وترسل إشارات إلى الغدة النخامية (Pituitary)، التي تأمر بدورها الغدة الكظرية (Adrenal) لإفراز هرمونات الطوارئ، وأهمها:
• الكورتيزول (هرمون التوتر)
• الأدرينالين (هرمون القتال أو الهروب)
هذه المواد تُجهّز الجسم لحالة الدفاع: القلب ينبض بسرعة، العضلات تتوتر، التنفس يتسارع الدم يتوزع بعيدًا عن المعدة والقولون نحو الأطراف ولكن، هذه الآلية خُلقت لحماية الإنسان من الخطر الحقيقي والمؤقت.
أما اليوم، فالعقل لا يواجه نمرًا مفترسًا… بل رسالة لم تُرد عليها، ضغط عمل، صراع داخلي لم يُحل، مشاعر مكبوتة، علاقات مستنزفة او التزامات الحياة اليومية.
وهنا الكارثة:
يتحول الدماغ من مركز تنسيق.. إلى مركز إنذار لا يتوقف وبدل ان يعيش الجسد وظائفه الطبيعية يعيش وضعيه الكر والفر Fights and Flights أو وضعيه النجاة.
ويبدأ ظهور الاضطرابات النفس جسميه (Psychosomatic Disorders).
وتكرر موجات القلق دون تنفيس أو علاج، يبدأ الجسد بالاحتجاج.
لكن احتجاجه ليس بالكلمات، بل بالأعراض ثم الأمراض فيحدث الخلل في اجهزه الجسم على سبيل المثال:
- الجهاز الهضمي Digestive System:
القولون العصبي (IBS) يظهر كنتيجة مباشرة لتفاعل الدماغ مع الأمعاء عبر العصب الحائر (Vagus Nerve). تشنجات، غازات، إمساك أو إسهال متناوب، شعور بالامتلاء أو ضغط في البطن. حتى الحموضة والـ GERD تتأثر بشدة في ظل التوتر المزمن. ❝كل شعور لم يُهضم في القلب… يُعاد هضمه في المعدة والقولون❞ - القلب والتنفس Cardiovascular System:
تسارع في النبض، ضيق نفس، شعور باختناق في الحلق أو الصدر.
3.دوره النوم والدماغ Nervous System and Sleep cycle:
يظهر الأرق، تقطع النوم، أو الإفراط في النوم كآلية هروب.
كأن الدماغ يرفض أن “ينطفئ”، لأنه لم يشعر بالأمان بعد.
وتبدأ أعراض مثل: النسيان، عدم التركيز، الصداع، ضبابية تفكير (Brain Fog).
- المناعة والجلد:
التوتر يرتفع الكورتيزول الذي يثبط جهاز المناعة ويصبح الجهاز المناعي يهاجم نفسه وتظهر امراض المناعة الذاتية ((autoimmune disease فتزيد فرص الالتهابات، وتظهر أمراض جلدية مثل:
الأكزيما
الصدفية
الارتكاريا أو الشرى - الغدة الدرقية وامراض الأيض مثل الهاشيموتو ومقاومه الانسولين
التوتر المزمن يزيد الالتهاب الداخلي، ويُفاقم أمراض المناعة الذاتية. لذلك الكثير من النساء المصابات بـ Hashimoto يشعرن بتقلبات مزاج، تعب مستمر، وأعراض تتأرجح رغم العلاج.
لرسالة الخفية في كل هذا؟
الجسد لا يخونك.
هو فقط يحاول أن يقول لك ما لم تسمعه من نفسك..
والمفتاح؟ ليس المسكّن فقط.. بل الاستماع، والفهم، وتحرير الألم من جذوره.
“كيف نفكك التوتر؟ خطوات علمية ونفسية لاستعادة التوازن”
بعد أن نسمع رسائل الجسد ونفك رموزها، ننتقل إلى المرحلة الأهم:
ماذا يمكننا فعله؟ - أولاً: التهدئة العصبية، تهدئة الدماغ
تمارين التنفس العميق (مثل 4-7-8)
التأمل الواعي (Mindfulness)
تفعيل العصب الحائر (الغناء، الغرغرة، غطس الوجه بماء بارد)
المشي في الطبيعة أو barefoot grounding - ثانيًا: تحرير المشاعر
الكتابة التفريغية اليومية (حتى بدون هدف أو جمل كاملة)
العلاج النفسي بالكلام، CBT، ACT السماح بالبكاء بدلًا من قمعه - ثالثًا: الدعم والعلاقات
البحث عن شخص يسمع دون احكام، تقوية الروابط الآمنة، تقليل المحفزات السامة (أشخاص أو بيئات) - رابعًا: دعم الجسد من خلال الغذاء
تقليل السكر والكافيين، رفع المغنيسيوم والأوميجا 3، شرب الماء بكفاية، دعم جهاز الهضم بالتخمير الطبيعي أو البر وبيوتك.
عند وصول التوتر إلى مرحلة مزمنة أو مؤذية وظيفيًا
(مثل: أرق دائم، قلق مفرط، نوبات هلع، أو أعراض جسدية مدمّرة)، قد يحتاج المريض إلى تدخل دوائي مؤقت وتحت إشراف طبي مختص.
التصنيفات الدوائية الشائعة:
- (SSRIs )Selective Serotonin Reuptake Inhibitors
• Fluoxetine (Prozac)
• Sertraline (Zoloft)
• Escitalopram (cipralex)
تُستخدم في: اضطراب القلق العام، الاكتئاب، نوبات الهلع
تحتاج من 2–4 أسابيع لتظهر فعالية
قد تسبب أعراض أولية مثل الغثيان أو زيادة القلق المؤقتة - SNRIs )Serotonin-Norepinephrine Reuptake Inhibitors)
• Duloxetine (Cymbalta)
• Venlafaxine (Effexor)
فعالة خاصة عند وجود ألم جسدي وتوتر نفسي - Benzodiazepines
(للاستخدام القصير فقط بسبب خطر الإدمان)
• Diazepam
• Lorazepam
• Alprazolam
تُستخدم عند: نوبات هلع حادة أو أرق شديد , لا يُنصح بها طويلًا - Beta-Blockers
مثل: Propranolol
تُستخدم لتخفيف الأعراض الجسدية المصاحبة للتوتر (رعشة، تسارع قلب) خاصة في المواقف الاجتماعية - مكملات داعمة (وتُستخدم أحيانًا كخيار أولي خفيف):
• Magnesium Glycinate
• L-theanine
• Ashwagandha
• Rhodiola Rosea
• 5-HTP (بحذر، خاصة عند وجود أدوية نفسية أخرى)
التوتر ليس ضعفًا… بل نداء، بل نظام إنذار بيولوجي كامل إنه طريقتنا البشرية القديمة في أن نحمي أنفسنا، لكن في عالم اليوم، حين لا ينتهي الخطر، يتورط الجسد في حالة دائم ويتحوّل صوت العقل الصامت إلى ألم عضوي قد يكون مزمن في القولون، Fibromyalgia، ADHA، ودموع لا تعرف من أين جاءت، العلاج لا يكون فقط في حبة دواء، ولا في جلسة استرخاء. بل في أن نستمع، نستمع لرسائل الجسد نرعى الجهاز العصبي كما نرعى القلب ونتعامل مع القلق كحقيقة علمية وليس كعيب شخصي لأن أعقد ما في الإنسان ليس دماغه فقط، بل كيف يسكن هذا الدماغ قلبًا يشعر ويخذل ووجسدًا يعمل على مدار الساعه، وروحًا. تتألم من أحداث قد تفوق قدرتها على النجاة.