مرتبط
د. هالة أبو معمر تكتب حول: اللّدونة العصبية…القوة الخفية للدماغ.. Neuroplasticity: The Brain’s Hidden Power

في عالم يعتقد ان الجمود هو الأصل , يثبت الدماغ غير ذلك ويثبت نفسه يوميا وكل لحظه بأنه هو الإستثناء الأعظم والمعجزه المذهلة التي تتطلب منا بحث دائم وتنقيب حول هذا المخلوق العجيب شديد التغير والتطور على عكس ماكنا ندرسه في البيولوجيا وفي شابتر الإنقسام الخلوي أو Cell cycle بأن الخلايا العصبية تنقسم لمره واحده فقط ثم تبقى بعد اول إنقسام في طور G0 تعيش لمره واحده إلا ان تبدأ بالتدهور ثم تموت ولاتعود او يحدث لها اي تجديد او تطور ، لكن الأبحاث الحديثه قلبت هذه القناعه او المعلومة رأسا على عقب وأثبتت أن الدماغ ليس عضوا ساكنا ، بل كيان متجدد قادر على إعاده تشكيل نفسه عبر عمليه تعرف بإسم Neuroplasticity أو اللدونة العصبية .
لندخل بشيئ من التفاصيل ونعرف (اللدونه العصبية) أو Neuroplasticity :
هي قدرة الدماغ على تغيير هيكله و وظائفه استجابةً للتجارب، التعلم، أو الإصابة، بمعنى اخر قدررة الدماغ على تكوين مسارات عصبية جديده Neural Pathway عند تعلم مهارة جديدة أو إستكشاف أماكن جديدة أو الإلتقاء بأشخاص جدد أو التكييف مع ظروف جديدة وتعويض الأضرار بعد إصابات مثل السكتات الدماغية أو الصدمات النفسية العصبية أو اي تدهور يحدث للخلايا العصبية .
مالذي يحث للخلايا العصبية أثناء هذه التجارب الجديدة ويقودها لتكوين (اللدونة العصبية) أو Neuroplasticity ؟
- تنشيط متكرر للمشابك العصبية (Synaptic Activity):
• كلما استخدمت شبكة عصبية معينة في تجربة أو تعلم جديد، تتقوى الروابط بين الخلايا العصبية المترابطة
• هذا يُعرف بـ التقوية طويلة المدى (Long-Term Potentiation, LTP) - إفراز النواقل العصبية (Neurotransmitters)
• التجارب الجديدة تحفز إفراز مواد مثل جلوتامات التي تعزز التواصل بين الخلايا - تكوين وتشابك نقاط الاشتباك العصبي الجديدة (Synaptogenesis)
• الخلايا العصبية تنمو وتتفرع لتشكل مزيدًا من التشابكات العصبية التي تدعم التعلم والذاكرة. - تغيرات في بنية الخلية العصبية (Structural Changes):
- أطراف الخلايا العصبية (Dendrites) تتفرع أكثر لتزيد من استقبال الإشارات.
- تنظيم الجينات والبروتينات (Gene & Protein Expression):
• بعض الجينات تُنشّط لإنتاج بروتينات تعزز بقاء التشابكات العصبية وتقويها.
إذا كل هذه العمليات تجعل الدماغ أكثر قدرة على التكيف والتعلم وحفظ المعلومات الجديدة، وهو جوهر اللدونة العصبية
متى تحدث اللدونة العصبية او ذروة حدوثها (Neuroplasticity) ؟
- أثناء التطور (الطفولة والمراهقة)
الدماغ يكون شديد المرونة في السنوات الأولى وتتشكل المشابك العصبية بسرعة أثناء تعلم اللغة والمهارات الحركية
والسلوكيات الاجتماعية اذا افضل عمر للتعلم هو سنوات الطفولة الأولى ولا عجب أن نؤمن أكثر بالمثل الذي يسطر على
جدران مدارسنا ( بأن العلم بالصغر كالنقش على الحجر ) .
2.أثناء التعلم والخبرة (في جميع الأعمار)
كل مرة تتعلم مهارات أو معلومات جديدة فأنت تفعل المسارات العصبية وتعمل Long –Term-Potentiation
التكرار يقوي المسارات العصبية المستخدمة مثال تعلم آله موسيقية جديدة ، لغة جديدة ، إجراء طبي جديد وتكراره ينمي
المسارات العصبية بالتالي اللبونة العصبية . - بعد إصابة الدماغ Post-Injury Recovery
بعد السكتة الدماغية أو الصدمة أو الجراحة، يمكن للدماغ إعادة التنظيم لتعويض الوظائف المفقودة
وقد تتولى خلايا عصبية مجاورة أو مرتبطة المناطق المتضررة
مثال: تمارين التأهيل بعد السكتة الدماغية تساعد القشرة الحركية على التكيف والتكييف اليه تكوين مسارات عصبية جديدة
بالتالي تكوين لبونة عصبية .
4.أثناء الممارسة والتكرار
الممارسة المتكررة تعزز الاتصالات العصبية المستخدمة وتضعف غير المستخدمة (استخدمها أو فقدها)
مثال: ممارسة الكتابة اليدوية تحسن الدوائر العصبية الحركية وأثناء التدريب العقلي والجسدي
5.التمارين الذهنية و التعلم المستمر ومفاجأه العقل بأفكار خارج الصندوق
والإستماع للقصائد والمشاركة في الحوارت الثقافية والجدلية المفيدة ، حل الألغاز، أو النشاط البدني يعزز تكوين خلايا عصبية جديدة والتخلص من سموم الجهاز العصبي التي تشكل عبئ وطريق مسدود يعثر نمو الخلايا العصبية وتكوين مسارات عصبية جديدة (Neurogenesis)
إذا تحدث اللدونة العصبية كلما تحدى الدماغ أو تحفز أو تعافى، لكنها أقوى في مرحلة الطفولة ويمكن أن تستمر مدى الحياة مع النشاط الصحيح والرغبة بالتطور وحب الحياه .
اللدونة العصبية غير التكيفية :Maladaptive Neuroplasticity
في بعض الحالات النفسية، يمكن أن تحدث اللّدونة العصبية غير التكيفية، حيث تُشكّل الشبكات العصبية بطريقة غير صحية، مما يؤدي إلى تعزيز أنماط سلوكية أو عاطفية ضارة. يظهر هذا بوضوح في حالات مثل الإدمان أو القلق المزمن وللإيضاح بشكل أكثر علينا أن نربط فهمنا للدونة العصبية غير التكيفية بأمثلة من الواقع المليئ بالسلوكيات الخاطئة فمثلا :
1.الإدمان على المخدرات
عند تعاطي المخدر، يفرز الدماغ كمية كبيرة من الدوبامين، وهو ناقل عصبي مسؤول عن الشعور بالمتعة مع التكرار، تقوى
المسارات العصبية التي تربط المخدر بالشعور بالمتعة، ويصبح الدماغ “يتذكر” المخدر كمصدر رئيسي للسعادة.
النتيجة: يصعب مقاومة الرغبة في التعاطي، حتى لو عرف الشخص أن هذا السلوك ضار
- العادات السيئة (مثل التسويف أو الإفراط في استخدام الهاتف)
• تكرار السلوك يؤدي إلى تقوية المسارات العصبية المرتبطة به.
• الدماغ يكوّن “دائرة الاعتياد ” (habit loop) تصبح هذه العادة تلقائية ويصعب كسرها.
ماذا يحدث في الجهاز العصبي؟
- تقوية المشابك العصبية (Synaptic Strengthening): كلما كررت السلوك، تصبح نقاط الاتصال بين الخلايا العصبية أقوى.
- إعادة تشكيل الشبكات العصبية (Neural Network Remodeling): الدماغ يعيد ترتيب الخلايا العصبية بحيث تُفضّل المسارات المرتبطة بالسلوك الضار.
- تغير في النواقل العصبية (Neurotransmitter Balance): مثلاً زيادة الدوبامين عند المخدرات، أو تقليل السيروتونين عند العادات السيئة التي تسبب شعورًا سلبيًا لاحقًا.
كصيدلانية ومهتمة بكل مايخص أبحاث الدماغ والأعصاب، من المهم معرفة كيف يمكن للعلاج والدواء ونمط الحياة أن يعززوا اللّدونة العصبية
(BDNF)1.
وهو بروتين أساسي ويعتبر المحرك الرئيسي للدونة العصبية Brain-Derived Neurotrophic Factor
a. يحفّز نمو الخلايا العصبية الجديدة
b. يقوي المشابك العصبية (Synapses) بين الخلايا العصبية.
c. يحسن التعلم والذاكرة والتركيز.
من أين نحصل عليه ؟
الى الآن لم يختزله العلم على شكل أقراص دوائية أو كبسولة سحرية وينتجه الدماغ بشكل طبيعي ويمكن استحثاث إنتاجه بعد : التمارين الهوائية
- (Aerobic Exercise)
مثل المشي السريع، الجري، السباحة، ركوب الدراجة - التغذية والمكملات
أحماض أوميغا 3 الدهنية (DHA & EPA)
توجد في الأسماك الدهنية مثل السلمون والسردين، أو مكملات زيت السمك.
وظيفتها
• تدعم تكوين المشابك العصبية الجديدة.
• تحافظ على مرونة غشاء الخلية العصبية لتسهيل التواصل بين الخلايا.
• تقلل الالتهاب العصبي الذي قد يعيق اللّدونة العصبية.
الكركمين (Curcumin)
مركب موجود في الكركم
فوائده
• يمتلك خصائص Neuroprotective يحمي الخلايا العصبية من الضرر
• يحفّز نمو خلايا عصبية جديدة
• يعزز إفراز BDNF ويساعد على تحسين المزاج والتركيز
الفلافونويدات (Flavonoids)
توجد في التوت الأزرق، الشوكولاتة الداكنة، التفاح، والشاي الأخضر
وظائفها:
• تحسّن تدفق الدم إلى الدماغ (Cerebral Blood Flow) يزيد وصول الأكسجين والمواد المغذية للخلايا العصبية.
• تدعم قدرة الدماغ على تكوين مشابك جديدة.
• تساهم في تحسين الذاكرة والقدرة على التعلم.
Magnesium L-threonate
• أظهرت الدراسات أنه يزيد كثافة المشابك العصبية ويحسن الذاكرة
Vitamin D & B12
• ضروريان لوظيفة عصبية مثالية
• Sleepو يعزز Memory Consolidation ويعيد تنظيم الشبكات العصبية
التدريب المعرفيCognitive Training3.
من خلال التعلم والموسيقى وتعلم الحياكه او الصناعه او الهوايات ومن هنا يتضح أن التعلم والعمل والتطوير ليست كماليات تخص جنس اكثر من الاخر وليست كماليات وإنما ضرورة للحفاظ على الجهاز العصبي وتطور الحياه لأن الدماغ هذا العضو المعجزه هو المسؤول عن تطور وبقاء الإنسان أو فنائه .
الوعي الذهني والتأمل (Mindfulness & Meditation)4.
أظهرت الدراسات الحديثة باستخدام تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أن ممارسة التأمل بانتظام تغيّر نشاط شبكة الوضع الافتراضي للدماغ (Default Mode وتزيد من سماكة القشرة الدماغية (Cortical Thickness).
هذا يعني أن التأمل لا يساعد فقط على تهدئة العقل وتقليل التوتر، بل يعزز أيضًا قدرات الدماغ على التركيز، معالجة المشاعر، وتكوين روابط عصبية جديدة.
مثال عملي: من يمارس التأمل يوميًا، حتى لفترات قصيرة، يمكن أن يتحسن لديه التحكم في القلق، تقليل التفكير المفرط، وزيادة المرونة العقلية
هل الحمل والأمومة تؤثر على الخلايا العصبية وتكون لدونات عصبية جديدة ؟
لا تستغرب، ولا تستغربي عزيزتي الأم، من تغيّر دماغك وطريقة تفكيرك بعد كل إنجاب؛ فالحمل والولادة ليسا مجرد حدثين بيولوجيين، بل محركان قويان للّدنونة العصبية.
أظهرت أبحاث الدماغ أن دماغ الأم يعاد تشكيله في مناطق :
• الانتباه
• العاطفة
• التواصل الاجتماعي
ليصبح أكثر استعدادًا للرعاية والتعاطف
ومع هذا التغيير الكبير، قد تواجه بعض الأمهات تقلبات مزاجية أو اكتئاب ما بعد الولادة، حيث تصبح مناطق الدماغ المسؤولة عن التحكم بالعاطفة والحساسية الاجتماعية أكثر نشاطًا أو حساسية. هذا يعني أن اللدونة العصبية قد تدعم المشاعر الإيجابية أو في بعض الحالات، تجعل الدماغ أكثر عرضة للعصبية والقلق، خاصة إذا كان هناك إرهاق شديد أو قلة دعم الاجتماعي.
الهرمونات ودورها في اللدونة العصبية اثناء الحمل والرضاعة والأمومة :
- Estrogen
- Progesterone
- Oxytocin
Estrogen (الإستروجين)
يزيد من تكوين المشابك العصبية (Synaptic Plasticity) في مناطق الانتباه والعاطفة.
يعزز التعلم والتكيف مع المهام الجديدة للأمومة.
Progesterone (البروجيسترون)
يساعد على استقرار المزاج والتحكم بالعاطفة.
يساهم في تعزيز الروابط العصبية الجديدة التي تدعم الرعاية والتهدئة.
Oxytocin (الأوكسيتوسين)
يُعرف بـ”هرمون الحب”، يعزز التعاطف والرغبة في التواصل الاجتماعي.
يقوي الروابط العصبية بين الأم وطفلها، ويحفز السلوكيات الاجتماعية الإيجابية.
وأيضا ..
التغيير مستمر عند الجميع
ولا تستغرب، عزيزي الإنسان، من تغيّرك بعد كل موقف أو صدمة مرت في حياتك؛ فالدماغ يعيد برمجة نفسه باستمرار. كل تجربة مهما كانت صعبة أو جميلة او ملهمة تترك بصمة مادية في شبكاتك العصبية، تعيد تشكيل طريقتك في التفكير والشعور وفلسفتك للحياه،،
هذه هي اللدونة العصبية: قدرة الدماغ على التغير مع كل مرحلة، مع كل تحدٍ، ومع كل ولادة وبعد كل خذلان ومع كل مرحلة تعيشها وهي أحد أشكال تطورك الطبيعي في الحياه فإستغل هذا التطور بشكل ايجابي وصحي يجعل من حياتك أسعد وأكثر راحه .
References
- Selkoe, D. J., & Hardy, J. (2016). The amyloid hypothesis of Alzheimer’s disease at 25 years. EMBO Molecular Medicine, 8(6), 595–608. https://doi.org/10.15252/emmm.201606210
- Pereira, A. C., Huddleston, D. E., Brickman, A. M., et al. (2007). An in vivo correlate of exercise-induced neurogenesis in the adult dentate gyrus. Proceedings of the National Academy of Sciences, 104(13), 5638–5643. https://doi.org/10.1073/pnas.0611721104
- Mora, F., Segovia, G., & Del Arco, A. (2013). Age-related cognitive decline and the role of neuroplasticity: A review. Frontiers in Aging Neuroscience, 5, 27. https://doi.org/10.3389/fnagi.2013.00027
- Mattson, M. P. (2004). Pathways towards and away from Alzheimer’s disease. Nature, 430(7000), 631–639. https://doi.org/10.1038/nature02621