كأنها من عالم آخر: فن صيد العسل في نيبال… قصة أخرى!

كأنها من عالم آخر: فن صيد العسل في نيبال… قصة أخرى!

ربما تعد عبارة “صيد العسل” غريبة على مسامعنا تمامًا؛ فللأغلبية يعد التعبير الأعم والأكثر تداولًا هو “جمع العسل” من خلايا مستعمرات النحل المستأنس أو الأليف الذي عقد معه الإنسان اتفاقية بسيطة: سأمنحك مكانًا ومنازل خشبية آمنة تقيم بها مستعمراتك بعد أن أزلنا الغابات وقضينا على الزهور ونشرنا المباني الخراسانية في كل مكان، وفي المقابل ستمنحنا أنت العسل الشهي!

بالطبع، يتغافل النحل عن الشق الأخير من الاتفاقية الخاصة بمنح العسل، فبالنسبة له هو إكسير الحياة للمستعمرة. لكن لا مفر من التسليم في النهاية. البشر اللعينون يستخدمون أدوات وملابس جهنمية لا تؤثر بها إبرنا اللاسعة ولا تستطيع اختراقها. دعك من أننا صرنا نقبل نوعًا بما يحدث ولم نعد نكترث حتى بالهجوم ما لم يتم استفزازنا. لقد صرنا أليفين تمامًا…

لكن الأمر مختلف تمامًا في بقعة أخرى قصية من الأرض. هناك في جبال الهيمالايا، في نيبال حيث يتحول “جمع العسل” إلى “صيد العسل”، وتنقلب نزهة جمع العسل من الخلايا الخشبية إلى مغامرة خطيرة محفوفة بالمخاطر. هناك حيث الفن السامي لقتال النحل، فإما الفوز بعسله البري الثمين، أو السقوط من حالق والموت!

متدليًا على سلم من الحبال الرفيعة على جرف شاهق بجبال الهيمالايا في نيبيال الوسطى، يتحدى صيادو العسل من قبيلة جورونج Gurung أسراب النحل البري الغاضب ليفوزوا بخلايا العسل الذهبي الذي يبدو من عالم آخر. صيد العسل بالنسبة لقبيلة الجورونج يمثل تقليدًا قديمًا استمر لأجيال عديدة، بجذور تمتد إلى آلاف السنين بلا مبالغة! لكن للأسف، قد لا يستمر هذا التقليد طويلًا بعد.

فمع أعداد النحل البري الآخذة في التناقص، يتعرض النظام البيئي الذي يحتضن هذا الفن القديم للتهديد جراء التغير المناخي، وازدهار سوق تجارة عسل النحل البري النادر والثمين، وكذلك جراء ذلك الغزو المخيف من أجناس جديدة دخيلة على المنطقة: السياح الأجانب!

المصور الوثائقي أندرو نيوي انطلق مؤخراً في رحلة إستكشافية إلى تلك الأراضي القصية، حيث قضى أسبوعين كاملين مع أفراد قبائل الجورونج لتوثيق فن صيد العسل بالطريقة التقليدية المتوارثة بينهم. والنتيجة؟ تلك الصور المدهشة والساحرة التي ترونها هنا!

فن صيد العسل البري محفوف بالمخاطر إلى أبعد حد، وقد يصبح أحيانًا لطقس مميت بلا إنذار. فصيادي العسل النيباليين لا يرتدون أي ملابس واقية بينما يتسلقون منحدرات شاهقة يبلغ ارتفاعها ما يزيد عن 300 قدم، بلا شيء سوى سلم من الحبال المجدولة وعصى طويلة يدعونها “تانجو” يضربون بها خلايا العسل الخاصة بنحل Apis laboriosa والذي يعد أكبر أنواع النحل في العالم! بعدها يتلقفون الصيد الثمين الغارق في الذهب في سلة مشبوكة أسفل عصا التانجو مباشرة، ويتم إنزالها إلى الأرض بسلام.

والشيء المؤسف هنا هو أن الأجيال الجديدة في القبيلة تبدو عزوفة عن مواصلة ذلك التقليد القديم لصيد العسل. فبعدما ابتليت البلاد بداء الحداثة المقيت، صارت المهن المستحدثة في مجال الخدمة المدنية والسياحة أكثر جذبًا لهم، بعيدًا عن العمل الخطر والشاق لتسلق الجبال والتدلي من المنحدرات الزلقة للحصول على العسل. فقط المحاربين القدامي في القبيلة هم من يضطلعون حاليًا بتغذية النار المقدسة لتلك المهنة الآخذة في الزوال؛ وعلى الأرجح لن يوجد من يمارس هذه الطقس القديم بعدما يقضون نحبهم في نهاية المطاف.

طالعوا هذه الصور… طالعوها جيدًا، فلربما صارت في القريب العاجل صورًا أثرية نادرة لجنس منقرض كان يقاتل النحل ببسالة ليستحق الوجود على سطح هذا الكوكب!

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: