مرتبط
د. طارق مقطش.. حين يمتزج النص الادبي المُبدع مع التميز الاكاديمي: المكالمة التي غيّرت مجرى حياتي
لم أكن أعرف أن تلك المكالمة الواردة الى هاتفي من عميد كلية الصيدلة في العلوم و التكنولوجيا، الدكتورة خلود الخميس آنذاك، ستحمل صورة للمستقبل غير ذلك اللذي كان يجول في خاطري.
كنت قد عدت للتو من المملكة المتحدة و قد أكملت درجة الدكتوراه في الصيدلة السريرية. و قد بدأت فعلا التدريس كمحاضر متفرغ في الجامعة الأردنية و انا اللذي تربطني بالجامعة الأم، علاقة تاريخية تمتد إلى طفولتي المبكرة.
مضيت إلى اربد في صباح اليوم التالي، في رحلة لم أكن أعرف أنها ستصبح شبه يومية. قابلت الزملاء في قسم الصيدلة السريرية و عميدة الكلية و مررت ببعض زملاء الدراسة في بريطانيا من المبعوثين من جوهرة الجامعات. كان الشعور في ذلك اليوم غريبا، كأني، انا الاتي من بعيد، قد اكتشفت عالما جديدا. رحلتي إلى التكنولوجيا حملت العديد من الانطباعات الإيجابية، دفئ اللقاءات و لطف الزملاء و تشجيعهم و حماستهم للعمل كانت ملفته للنظر. الثقة التامة بتفوق المؤسسة و تقدمها عن نظيراتها، لها أيضا اثر كبير لا يمكن إنكاره.
هنا بدأ المخاض العسير في التفكير و المفاضلة، صراع بين الماضي و الذكريات و بين صفحة جديدة بيضاء لكتابة المستقبل. تمكن مني ذلك الانطباع و الشعور القوي بعد زيارة التكنولوجيا، لم يعد له منافس. قرار لم يكن بالسهل إذا ما فكرت ببعد المسافة و الانطلاق إلى المجهول مقارنة بما تعودت عليه و اعرفه خير معرفة.
لم يكن قراري باختيار العمل في جامعة العلوم و التكنولوجيا منطقيا من نظر الكثيرين. والدي الأستاذ الدكتور لويس مقطش و الذي أمضى شبابه و مشيبه في الاردنية شجعني و احترم قراري، الا انه في قرارة نفسه كان يمني النفس أن أعود يوما عنه. الاصدقاء و الاهل أيضا كانوا بعيدين عن فهم بواطن رغبتي.
ما كان برأي الناس أنه ضرب من الجنون قبل عقد من الزمان، يبدوا اليوم و كأنه قمة المنطق. كم أشعر بالفخر و انا أمضي يوميا إلى جامعتي، في كل صباح و عند اقترابي من بوابة الجامعة اتلوا صلاة شكر لله على أن يسر لي العمل هنا، و كم تغمرني الفرحة كلما حققت التكنولوجيا تقدما و إنجازا جديدا.
قرابة العقد مضى و انا هنا، قرابة العقد و ما زلت أذكر اول زيارة لي. ما زلت أذكر رائحة الهواء و نقاءه، و صوت مرشات المياه، و المسطحات الخضراء على جوانب الطرقات، و تلك الرهبة التي تأخذك و انت تمضي من بوابة الجامعة الي المباني الضخمة التي حفظت جدرانها معظم العلوم.
تتبعثر الكلمات هنا وهناك، الا اني سأردد دائما، بوركت جامعتي فخر الوطن.
One Comment
اعادني دزطارق مقطش الى ذكريات ستة عقود مضت ايام الدراسة في قسم اللغة الانجليزية في كلية اداب بغداد في ستينيات القرن الماضي وكنا اربعة طلاب اردنيين ..المرحوم احمد كريشان (ابو شهاب) ومحمد نهار سواعي(الدكتور لاحقا في جامعة فرجينيا )والمرحوم ابو طارق كما كنا ندعوه منذ ذلك الوقت..كانت تجمعنا صداقة لايمكن وصفها وبنفس الوقت تنافس لا حدود له على المركز الاول في القسم وكان ابو طارق رحمه الله هو الفائز دائما بالمركز الاول وما زلت اذكر روحه المرحة التي كانت تطغى على جلساتنافي السكن وهو يعاكسنا بانه الاول دائما .. رحم الله ابو طارق فقد بقي وفيا لوطنه ولعائلته ولرسالته العلمية ولاصدقائه لحين اختاره الله لجواره وفجعنا بفقدانه
Comments are closed.