مرتبط
ثروت التلهوني .. سياسي ادار ظهره للصيدلة!
سرقته السياسة من مهنته الاولى ، هكذا يمكن وصف رحلة العمر لثروت التلهوني ، الصيدلي الذي صار نائبا وعينا ووزيرا .
في معان ، النابضة بوعي دورها الوطني القومي ، ولد ابو خلدون عام 1922 ، لتكون وجهته ثانوية السلط ، مثل ابناء جيله في تلك المرحلة ، ويتخرج منها عام 1941 ، وبسبب صعوبة الظروف المادية ، وربما ضيق ذات اليد ، فانه لم يلتحق مباشرة بالجامعة ، فعمل موظفا بعض الوقت ، قبل ان يبدأ بدراسة الصيدلة في الجامعة السورية ، وهو الذي كان يمني نفسه بدراسة الطب ، وتشير المعلومات الى ان ابا خلدون الذي عاد عام 1946 وبين يديه بكالوريوس الصيدلة ، هو واحد من اوائل الصيادلة في شرق الاردن ، بل هو صاحب اول صيدلية تفتح ابوابها في مدينة اربد ، وقد حملت اسم التلهوني ، لتنتقل عام 1953 الى عمان ، لكن انشغال صاحبها الصيدلاني بشؤون السياسة والعمل العام دفعت به الى بيعها عام ,1958
الانتخابات النيابية التي جرت في خريف 1956 ، ووصفتها كل الوثائق بالنزيهة ، جاءت بالصيدلاني ثروت التلهوني الى مقاعد البرلمان نائبا عن مدينة معان ، وامتد به المقام عضوا في مجلس الامة ، بشقيه النواب والاعيان ، سنوات عديدة ، كان خلالها شريكاً في رسم السياسة التشريعية في البلاد ، وقد اختير ابو خلدون ، ليكون واحدا من بين ثلاثة عشر نائباً ، مثلوا الاردن في البرلمان الاتحادي مع العراق ، وهو الاتحاد الذي لم يعمر طويلا بسبب الثورة التي قام بها الجيش في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم في تموز 1958 ، وكان ابو خلدون عضوا في البرلمان الذي تم حله عام 1963 بسبب حجبه الثقة عن الحكومة آنذاك .
الصيدلاني الذي كانت النيابة بوابته للعمل السياسي ، ظل بعيدا عن الوظيفة الحكومية ، وعمل مديرا عاما ونائبا لرئيس مجلس ادارة شركة الانتاج عام 1962 ، ومن ثم مديرا لشركة الانماء الصناعي عام 1963 ، ليتسلم بعد ذلك اول وظيفة حكومية اعادته الى مهنته الاولى حين اصبح مديرا للصيدلة واللوازم في وزارة الصحة من 1963 وحتى 1965 ، ليتم تعيينه بعد ذلك مديرا عاما لدائرة الاحصاءات العامة ، ليصبح بعدها مديرا عاما لدائرة الجوازات والاحوال المدنية ، وهي وظيفة تسلمها اكثر من مرة ، وتزامن وجوده على رأس هذه الدائرة مع عدوان حزيران 1967 واحتلال الضفة الغربية ، حيث قام بتنفيذ امر الراحل الحسين بالتوجه الى دول الخليج العربي وصرف جوازات سفر لابناء الضفة الغربية المقيمين في تلك الدول .
حين كان ثروت التلهوني يسير بهدوء في منتصف الستينات باتجاه الوظائف الرسمية العليا ، كان المقربون منه يصفونه بالعصامي وربما قاده عمله في دائرة الجوازات والاحوال المدنية ، لتقلد مناصب رفيعة اخرى في اطار وزارة الداخلية ، فقد اصبح محافظا فيها ، ومحافظا لمحافظة اربد اثناء احداث ايلول1970 ، قبل ان يصبح في العام 1971محافظا للعاصمة لمدة عامين ، ليصبح في تلك الفترة عضوا في مجلس الاتحاد الوطني الذي تم استحداثه لتفعيل الحياة السياسية في البلاد .
وربما كان اداؤه في اطار الوزارة واحدا من الاسباب التي دفعت الرئيس زيد الرفاعي لاسناد حقيبة الداخلية له في حكومته الثانية عام 1973 ، وهو المنصب ذاته الذي احتفظ به في حكومة الرئيس الرفاعي الثالثة ، وفي زمن قيادته لوزارة الداخلية في هذه الحكومة تم الغاء قانون العشائر ، وهو قرار اثار العديد من الاسئلة في وجه الحكومة آنذاك.
ثلاث سنوات قضاها ثروت التلهوني سفيرا للاردن في المملكة العربية السعودية ، وتعرف من خلالها الى بعض اسرار العمل الدبلوماسي ، ليعود الى عمان عام 1981 ، ويتم تعيينه عام 1983عضوا في مجلس الاعيان الثالث عشر ، وهو آخر منصب تقلده ابو خلدون .
الذين تعرفوا الى الراحل ثروت التلهوني وعملوا معه ، يؤكدون ان الرجل كان جريئا وصلبا وشفافاً ، فيما يؤكد ابناؤه انه كان حنونا ورب اسرة مثالياً ، ويتحدث هؤلاء عن قيام ابي خلدون بالتخفي على هيئة احد المراجعين في كل الدوائر التي قادها ، ليتعرف بنفسه على مواطن الخلل ، ليقوم بعلاجها بشكل حازم ، وهذا ما حدث عندما كان مديرا للجوازات ومحافظا للعاصمة ، فيما تشير بعض اوراق سيرته الذاتية ان الرجل كان يعود بين وقت وآخر لمهنته الاولى ، الصيدلة ، ويقوم بنفسه بالاشراف على علاج افراد اسرته او صرف الدواء اللازم لهم عند الحاجة ، وان هذه المهنة علمته الدقة والانضباط ، وان الرجل ظل يدفع اقساط منزله حتى قبل وفاته بقليل ، وانجب ثلاثة ابناء وابنتين هم خلدون ، زيدون ، مأمون ، صباح ، خلود ، ويتولى ابنه خلدون منصب السفير الاردني في لاهاي فيما يتولى ابنه مأمون منصب المدير العام للمكتبة الوطنية وابنه زيدون طبيب اسنان .
وقد توفي ابو خلدون عام 1985 ، في عمان عن عمر ناهز الثالثة والستين ، ودفن في مقبرة العائلة بأم الحيران
*ارشيفية: هشام عودة