مرتبط
د. مريم شحادة تكتب : علبة الدواء بعدسة الملكية الفكرية
د. مريم شحادة: مسؤول براءات الاختراع – شركة أبوغزاله للملكية الفكرية (AGIP)
هل خَطَر على بالِ أحد بِأنَّ الدواء الذي يَصِفَهُ الطبيب بدقائق قليلة، كانَت بدايَته فِكرة علمية مِن أحَد الصَيادلة، طُبقِّت هَذِه الفِكرة تَحتَ اشراف فريق مُكَوَّن مِنَ عَشرَاتِ الصَيادلة، لِيَصِل الدواء إلى يَد المَريض، وَ هُم على عِلمٍ وَ دراية كامِلة بِكل ما يَمُر بِه الدواء داخِل جِسم الإنسان، وَالكمية المُناسبة التي تُعالِج المريض بِأقل تأثيرات جانبية.
هَكذا تَكون بِداية جَميع الأدوية، تبدأ بِفكرة، ثُمَّ يَتَوَجَّب على من يقومون بِالأبحاث الصيدلانية وَ السريرية بإثبات صحة هذه الفِكرة، فَإما أن تَكون الفِكرة دواءً فيه شِفاء العالمين، أو سَمَّاً قاتِلاً يُنهي حياة الكثيرين.
جميعنا يَرى علب الدواء بِأشكالها وَ أحجامِها، لَكن كُلَّ واحِد مِنَّا يراها بِعينٍ مُختلفة عَن الآخر.
الطبيب يَرى في الدواء بَلسماً وَ شفاءً للمَرضى.
وَ الصَيدلي يَرى في الدواء تَفاعُلات كيميائية، وَ تحليلات جزئية في جسم المريض.
أمَّا المريض فَهو لا يَرى في هذا الدواء سُوى المَلاذ الوَحيد لِلخَلاص مِن ألمٍ يُعاني مِنه.
أما لو تَم النَظَر لعلبة الدَواء بعدسة مُكبرة مِن خبير الملكية الفكرية فهو سَيَراها بِعدة أشكال، وَ مِن زوايا مُختلفة. فهو يَراها من نَواحي مُتَعددة، وَ مُختَلِفة، فَهوَ يَستَطيع أن يراها مِن مَنظور إدارة المُلكية الفِكرية، وَ استراتيجية الأعمال المُرتَبِطة بِها، كَما أنَّهُ سَيراها مِن النواحي القانونية الخاصة بالملكية الفِكرية وَ التي لها عَلاقة خاصة بالصناعات الدوائية، مثل ما يَمتَلِكهُ المُستَحضَر الدوائي مِن الأصول الفِكرية، وَ عَن العَلاقة بينَ الحقوق التي يَملِكها وَ تأثيرها على صحة المَرضى، وَ فُرَص التَراخيص المُتاحة لانتاج الدواء أو بيعه وَ تَصديره.
لَو تَمَّ وَضع عِلبة الدواء تحتَ عدسة المِجهَر الخاص بِالمُلكية الفكرية، سَنَرى بأنَّها تَحتوي على أصول الملكية الفِكرية التالية:
١- الاسم التجاري:
هو الاسم المُمَيز لِلمُستَحضَر الدوائي، الذي تَمت الموافقة على تَسجيله في المؤسسة العامة لِلغذاء وَ الدواء، وَ قَد يكون مكتوباً بِعدة لُغات (العربية وَ الانجليزية… أو غيرها مِن اللغات)، وَ عادةً ما تَكون الوَصفة الطبية مَكتوبة بالاسم التجاري.
كما أنَّه قَد يَختَلِف الاسم التجاري مِن بَلد إلى آخر, حتَّى لو كانَ لِنَفس المُستَحضَر الدوائي وَ مِن انتاج الشركة نَفسها.
٢- العلامة التجارية:
هي الشَكل المُمَيز، أو بَعض الكَلِمات وَ الحُروف التي تَستخدمها الشركة المالكة لِتَمييز مُنتجاتِها، كَما أنَّهُ يَتِم وَضعها على جَميع مُستَحضراتها، لِلدَلالة عليها، والعَمَل على سهولة تمييزها مِن قِبَل عُملائها.
٣- النموذج الصناعي:
هو الشكل الجَديد للعبوة الخارجية لِلدواء بِتصميمها المُمَيز أو ألوانها المُختَلِفة، الذي يُظهِر المُنتَج بِطريقة مُمَيزة، تُدَوَّن عَليها البيانات التجارية الخاصة بِالدواء، مِثل الكَمية، والمُحتويات، وَ العلامة التجارية الخاصة بِالشركة المالِكة.
قَد يَكون النموذج الصناعي أيضاً تَصميماً جَديداً وَ مُبتَكَراً لِشكل حَبة الدواء التي تُستَخدَم في قوالِب خاصة أثناء الانتاج الصناعي سواء كانَ انتاجاً آلياً أو كيميائياً، بِحيث لا يِكون هناك مُماثِل لها في أيِّ حبة دواء أخرى.
٤- براءات الاختراع:
يَستَحِقها كل دواء يُعتبر جديداً كُلياً، وَ لَقَد استوفى الشروط اللازمة لِمَنحه براءة الاختراع.
قَد تكون براءة الاختراع مُستحقة على المُستحضر النِهائي للدواء، أو يَستَحقها بناءً على آلية تحضير المستحضر الدوائي، بناءً على طريقة صِناعية جديدة لانتاج دواء مَوجود مُسبقاً، أو مِن خلال طريقة تصنيع مَعروفة، لَكنَّه تمَّ استخدامِها لِتحقيق نَتائج جديدة أو لانتاج مُستَحضَر مُختلف وَ جَديد، وَ قَد تَكون بسبب إضافة تعديلات وَ تَحسينات على طريقة تصنيع دوائية موجودة مُسبقاً، حيثُ ساهَمت هذه التحسينات بِحل مُشكلة ما.
٥- السرّ التجاري:
هو كُل مَعلومة استَخدمها مُختَرِع المُستَحضَر الدوائي في الوصول إلى اختراعه دونَ أن يَتقدَّم بِطَلب للحصول على براءة اختراع، وَ اكتَفى بِأن يَقوم بِإخفاءسِر الاختراع عن الغَير.
٦- حق المؤلف:
تُعتَبر جَميع الأبحاث الدوائية وَ السريرية التي قامَت الشركة المالكة بِالوصول إليها، مِن خلال التجارب العلمية، بالاضافة إلى البرامج الحاسوبية وَ قواعِد البيانات المُستخدمة، فهي جَميعها مِن أنواع حماية حقوق المؤلف.
كما أنَّه يُمكن اعتبار النَشرة الدوائية المُرفقة مع علبة الدواء، ضِمنَ حقوق المؤلف، إذا كانَت مصممة بِطريقة جَديدة وَ مُبتَكرة.
إنَّ احتواء علبة الدواء على أغلب أصول الملكية الفكرية، يَجعَلها تَتَمتع بحقوق المُلكية الفِكرية للمنتج الدوائي، هذه الحقوق لها انعِكاساً مُباشِراً على قطاع الصناعات الدوائية لأن الدواء هو السلعة الرئيسية المُرتَبِطة بشكلٍ مُباشِر بِصحة وَ سلامة الإنسان، لِهذا فَإنَّ حماية المُنتَج النِهائي تَرتَبِط بِالتَشريعات الصادِرة عَن منظمة الصحة العالمية والمؤسسة العامة لِلغذاء وَ الدواء المَحلية للشركة المُنتجة، حيث قامَت بِوَضع الاطار القانوني لِبَعض المواد الفعَّالة التي تؤثر على صحة الانسان، فَإنَّ أي تغيير في تراكيز المواد الفعَّالة، يؤثر على الجودة وَ الفعالية وَ الأسعار للدواء, وَ بِالتالي سَوفَ يُؤثر على حياة الإنسان بِشَكل مُباشِر.
لهذا قامَت الِجهات الحكومية بإلزام الشركات المُنتجة وَ الشركات الحاصلة على تراخيص انتاج المُستحضر الدوائي بِأن يتم تصنيع المُنتَج الدوائي بدون أي تغيير في المواد الكيميائية، وَ الالتزام بالتراكيب الكيميائيةبِنفس الصيغة الكيميائية وَ بِنفس الكميات التي تمت الموافقة عليها. لِضمان فعالية وَ جودة المُستحضر الدوائي.
وَيُمكن تغييرأي من المواد الكيميائية أو تركيزها إذا تَم تَزويد الجهات الحكومية بِالفحوصات المَخبرية اللازمة، التي تُثبِت عَدم التأثير على فعالية وَ جودة الدواء، وَ عَدم وجود أي تأثيراتٍ جانبية على المَريض.
لِهذِه الأسباب يُعتَبَر مَنظور المُلكية الفكرية لعلبة الدواء مَنظوراً شامِلاً لِكل ما يَتعلق بالدواء، مِن ناحية تَسويقية وَ اقتصادية، بالاضافة إلى الأُطر القانونية لضمان الوصول الآمِن للدواء، بِدون أي آثار جانبية.