مرتبط
هل الباراسيتامول هو أكثر مضادات الألم أماناً؟؟!

دائماً ما يتعرض الناس إلى مسببات الألم بشتى الطرق وفي شتى البقاع ولكي يمكن تلافي هذا الإحساس المحبط الذي يعكر صفو الحياة ويعرقل سير العمل يلجأ الناس إلى استخدام المسكنات بطريقة غير مشروعة حيث يتم استخدام جرعات عالية وأشكال صيدلانية مختلفة وطريقة تعاطي خاطئة للمسكنات وقد يتم استخدام أكثر من نوع من المواد المسكنة خلال اليوم الواحد مما أودى بحياة الناس متمثلا في حدوث مخاطر عدة منها تقرحات في المعدة وقد يمتد إلى حدوث نزيف أو فشل كلوي أو ارتفاع في قيمة ضغط الدم وغيرها من الآثار الجانبية التي يمكن حدوثها بنسب متفاوتة و مع زيادة التوعية الصحية بدأ الناس ينتبهون إلى مخاطر سوء استخدام المسكنات بصفة عامة إلا أنه عندما ظهرت مادة الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين
(Paracetamol or Acetaminophen) ظن الناس كما أشيع لدى العوام أن هذه المادة آمنة تماماً ولا تسبب أي أضرار على المستوى الصحي وبدأ الناس يتهافتون على استخدامها على الدوام دون مراعاة للحالة المرضية أو الأدوية الأخرى التي يتم تعاطيها وقد ساعدهم على ذلك بلا شك إمكانية صرف هذه المادة من الصيدليات الأهلية دون الحاجة إلى وصفة طبية ولا يمكننا أن نعول على هذا فقط إذ وجود هذه المادة المسكنة ضمن قائمة الأدوية التي يمكن أن تصرف دون الحاجة إلى وصفة طبية أمر ضروري في حد ذاته وإنما نعول على الجهل بدواعي تعاطي هذه المادة والاحتياطات الواجب اتخاذها عند تعاطي هذه المادة ومن هذا المنطلق ندعو إلى تفعيل دور الصيدلي الحقيقي داخل الصيدليات الأهلية وتقبل الناس لهذا الدور الذي لا يقل أهمية عن دور الطبيب داخل العيادة الطبية.
إن الباراسيتامول لا يُصنف من ضمن المسكنات إذ أن المسكنات ومضادات الالتهاب غير الاستيرويدية(NSAIDs) مثل الايبوبروفين(Ibuprofen) والديكلوفيناك (Diclofenac)وغيرها تعتمد بشكل رئيسي في آلية عملها على الأعضاء الطرفية(Peripheral) للحد من آلام الصداع بينما يعتمد الباراسيتامول في آلية عمله بشكل رئيسي على المخ(Central) ولهذا لا يصنف من ضمن المسكنات الشائعة والتي هي مضادات التهاب غير استيرويدية.
عادة ما تحتوي أقراص المنتجات التجارية في أسواق الدواء على 500 مجم أو 1000 جم كحد أقصى من الباراسيتامول وغالباً ما يتعاطى المريض ثلاثة أقراص في اليوم الواحد من الباراسيتامول بتركيز 1000 مجم لكل قرص وعلى هذا فإنه يقترب من الحد الأقصى للتركيز الفعال من الباراسيتامول والذي يُقدر بنحو أربعة جرامات من الباراسيتامول وهذه في حد ذاتها قد تُشكل مصدر خطورة بالغة إذا كان المريض يتعاطى مستحضراً آخر للزكام يحتوي على قدر معين من الباراسيتامول وبهذا قد يتعرض المريض لحدوث التسمم من الباراسيتامول دون الانتباه إلى الحد الأقصى الآمن لتعاطي الباراسيتامول في اليوم الواحد.
إن أعراض التسمم من الباراسيتامول في الأطفال الأصحاء تظهر عند تعاطي 150 مجم من الباراسيتامول لكل 1 كجم من وزن الطفل الصحيح الذي لا يعاني من أية أمراض من شأنها عدم تقبل الجسم للجرعات الطبيعية للباراسيتامول
وفي البالغين تظهر أعراض التسمم وقد تتمثل في الغثيان والقيء وشحوب الوجه والوهن العام وتليف وتلف أنسجة الكبد وذلك عند تعاطي 7.5 جم من الباراسيتامول وقد تظهر أعراض التسمم عند تعاطي 5 جرامات فقط من الباراسيتامول في المرضى الذين يعانون من نقص مادة الجلوتاثيون(Glutathione) الهامة جداً في جسم للإنسان نتيجة سوء التغذية أو التعرض للمجاعات أو وجود أمراض مثل التليف الكيسي (Cystic Fibrosis)وضمور العضلات (Cachexia)أو الإصابة بفيروس نقص المناعة (HIV)الذي سرعان ما يتحول إلى الإيدز عافانا الله وإياكم، أو المرضى الذين اجتازوا فترات طويلة من العلاج بالأدوية التالية مثل الكاربامازبين (Carbamazepine) أو فينوباربيتون (Phenobarbitone)أو فينيتوين(Phenytoin) أو بريميدون (Primidone)أو ريفامبسين (Rifampicin)أو الأدوية التي من شأنها تنشيط إنزيمات الكبد (Liver Inducers) وليس مقتصراً على الأدوية فحسب بل أولئك الذين كانوا يتناولون عشبة القديس يوحنا (St John’s Wort)لفترات طويلة.
التعاطي المتزامن والمستمر للباراسيتامول مع مضادات التجلط كالوارفارين(Warfarin) والكومارين (Coumarin)يُمكن أن يؤدي إلى زيادة سيولة الدم وحدوث النزيف.
إن بعض الناس أيضاً قد يعانون من حساسية الباراسيتامول وإن كان نادراً، ولكن الأكثر خطورة أنهم قد يعانون من التحسس لأحد المواد غير الفعالة التي تحتوي عليها أقراص الباراسيتامول نتيجة الإفراط المتزايد في تعاطي أقراص الباراسيتامول وتظهر في صورة طفح جلدي وضيق في التنفس ويمكن أن تتحول إلى حساسية ستيفن جونسون المميتة والعياذ بالله.
وقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعد تداول عقار الباراسيتامول في الأسواق عدة آثار جانبية مثل نقص كريات الدم البيضاء مما يؤدي إلى انحطاط شديد في الجهاز المناعي للإنسان ونقص الصفائح الدموية بصورة مفزعة يمكن أن تؤدي إلى حدوث النزيف كما يمكن أن يؤدي إلى تليف شديد في أنسجة الكبد وفقد القدرة الوظيفية له في بعض المرضى كما أسلفنا ذكرهم سابقاً.
كما أن بعض مستحضرات الباراسيتامول تحتوي على الكافيين وقد لا يعلم المريض احتواء هذا المستحضر على الكافيين ظناً منه أنه باراسيتامول فقط لا غير ويكون من الذين يشربون كميات هائلة من الشاي او القهوة أو المشروبات التي تحتوي على كافيين بشكل عام متخطياً الحد اليومي المسموح به من الكافيين مسبباً ارتفاعاً في ضغط الدم وزيادة في ضربات القلب وأرق إلى غيره من الآثار الجانبية الأخرى.
كما أن الكافيين يعبر المشيمة وقد يُسبب إنقاصاً في وزن الجنين ويمكن أن يؤدي إلى حدوث ولادة مبكرة كما أنه يعطي تأثيراً منبهاً داخل جسم الجنين.
والمغزى من هذا المقال إرشاد الناس إلى التوسط في كل شيء
قال الله تعالى في سورة البقرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) صدق الله العظيم
وندعو الزملاء الصيادلة إلى تفعيل دورهم الحقيقي وإرشاد الناس على الصواب وعدم الاقتصار على الجانب التجاري فحسب فهذا العلم الذي تعلمناه هو أمانة في أعناقنا وينبغي علينا شن حملات توعوية كل منا في موقعه وبحسب استطاعته.
أحمد عبد المنعم عامر
صيدلي بهيئة الدواء المصرية
صيدلي مجتمعي بسلسلة صيدليات العزبي
مساعد باحث و معيد سابق ببرنامج الفارم دي – الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا
عضو الجمعية الأمريكية للميكروبيولوجي
عضو لجنة الأبحاث البريطانية
عضو الجمعية الأوروبية لأبحاث تنمية الكبار
عضو الرابطة الدولية لعلم الأعصاب للشباب
عضو معهد البحوث والنشر التربوي
عضو في شبكة أبحاث التعلم
عضو مبادرة التنسيق العالمية