د. مريم شحادة تكتب: المَجدُ للصيادلة

د. مريم شحادة تكتب: المَجدُ للصيادلة


ما زلت أذكر جيداً تلك المقولة بأنَّ الصيدلاني هو خبيرُ الدواء الوحيد، لم يكن يوماً الصيدلاني بيَّاع وَ لَن يكون كذلك…
دراستك للصيدلة لمدة خمس سنوات يعني أنَّكَ أصبحت صيدلاني, يعني أن تكونَ الشخص الأعلم والأخبر بالدواء، أن تكونَ صيدلاني يعني أن تكونَ قادِراًعلى تَحليل الدواء داخِل جِسم المَريض مِن مُجرَّد قراءة اسمه.
عندما أعود بالذاكرة لبداية دخولي كلية الصيدلة، لم يَكُن اختياري للصيدلة أكثر مِن رَغبة الأهل، ولكن كان لابد لي من متابعة المسير، لتبدأ معي السنة الأولى، لا أُخفي أنني كرهت التخصص لِصعوبة المواد، هذا وَحَسَب أقوالهم لم يبدأ الجد بَعد، فما بينَ محاضرات البيو وتفاعلات الكيماء وجدتُ نفسي في ضياع، ولكن تساهيل رب العالمين قضت أن تنتهي هذه السنة بسلام، على أمل بأن ما تُخبإه الأيام سيكون أفضل حال، ولكن مع بداية الأناتومي والفسيولوجي شعرت بالشتات وكأنني رميتُ بنفسي في محيطات الضَياع، وَ وَجَب عليَّ تَعلم السباحة حتى أستطيع الوُصول لشاطئ الأمان.
انقَضَت الشُهور والأيام، وانقَضى نِصفُ المِشوار، لأبدأ بتغيير نظرتي المشؤومة عن مهنة سمعتُ عنها الكثير، وكان أكثر تَعليق يثير جنوني عندما يُوصَف الصَيدلي بأنَّه بائِعٌ أنيق، كانت هذه المَقولة أكثَر استفزازاً من صفعة على وجههي، لَكن رَغبَتي في التحدِّي وَمُتابعة المَسير جعلتني أواجِه الكثير مِن الصعوبات.
عِندما بدأتُ بالتَدريب الصيدلاني بدأت نَظرتي التفاؤلية بالمِهنة والتَخصص، لَم تَكن مسيرة الصَيدلة مَزروعة بالزهورِ وَ الرَيحان، بَل كانَت مليئةً بالحجار والعَقبات، وَلكن بِفضلِ الله كانَت تتلاشى هَذه العَقبات بالكَثيرِ مِنَ الدَعوات.
وَ عِندما وَصلنا لِنهاية المِشوار، وَ وَقفنا لأداء قَسَم المِهنة، هذه اللحظة جَعلتني أكبر مئة عام، عِندما وَقفنا لأداء قَسم المِهنة، أن نُقسِم على حماية حياةَ الآخرين، وَ كأنَّها أمانةً بِثُقلِ الجِبال سَوفَ تُوضَع على أعناقِنا، هُناعَرِفت وَ تَيقنت بأنني حُمِّلتُ عِلماً لَيس كَباقي العُلوم، حُمِّلتُ عِلماً في ثناياه شِفاءَ العَالمين، حينَها لَم أدعو الله بِخفَّة الحِمل، بَل دَعوتُه بِقوة الكَتِفين.
الآن…. وَ بَعد أن حَصَلت على أرقى العُلوم، وَ بَعد أن أصبَحت صيدلانية مزاولة, حتى لو كان مجال عملي ليس في التعامل المباشر مع المرضى،حتى لو لم أكن في خط خط الدفاع الأول مع المرضى, إلا أنني كُلِّي فَخر بهذه المِهنة العَظيمة,وَ في يَوم الصيادلة العالمي، أقول: سَيَبقى المَجدُ للصيادلة، سَيَبقى المَجدُ للصيادلة المُطببين على المَرضى، المُداوين لجراحَهُم، عُلماء الدَواء، القارُئِين لوصفاتِ الأطباء الفلكية، المجدُ لَنا وَ بِنا, المَجد لَنا وَ لِعلمِنا اليَوم وَغداً وبَعدَ مِئَةَعام.
كُل عام وَأنا وَجميع الَصيادلة بألف خير ❤

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: