قصة الكورتيزون

قصة الكورتيزون

 

أ. د. عز الدين الدنشارى أستاذ الفارماكولوجي والسموم – كلية الصيدلة – جامعة القاهرة

تعتبر قصة اكتشاف الكورتيزون شاهداً ودليلاً قاطعاً على أن اتباع المنهج العلمى فى سبيل اكتشاف الدواء هو أساس التوصل إلى وسيلة لعلاج المرض، وبدأت القصة عام 1928؛ حيث كان أستاذ الطب الأمريكى دكتور هنش يتابع حالة مريضة (65 سنة) تشكو من التهاب المفاصل الروماتويدى، وكانت تعانى آلاماً شديدة فى المفاصل والعضلات، لدرجة أنها كانت عاجزة عن المشى، ولقد لاحظ الطبيب أن المرض قد خفت حدته وتحسنت قدرة المريضة على المشى، وذلك بعد يوم واحد من إصابتها بمرض اليرقان (الصفراء)، ولقد استنتج د. هنش أن جسم المريضة ربما أفرز مادة معينة سماها المادة «إكس» إثر إصابة فى الكبد أدت إلى اليرقان، ويحتمل أن تكون هذه المادة هى هرموناً تفرزه الغدة الكظرية، وهو الكورتيزون، ولقد اتضح من دراسة طبية أخرى أن مرضى مصابين بمرض الربو الشعبى قد تحسنت حالتهم إثر إصابتهم باليرقان، مما يدل على أن المادة التى حسنت حالتهم الصحية هى ذات المادة التى خففت آلام التهاب المفاصل الروماتويدى ومتاعبه.[Quote_1] ​

وفى عام 1948 ذهبت امرأة شابة (29 سنة) إلى عيادة دكتور هنش وكانت مصابة بمرض التهاب المفاصل الروماتويدى وعانت آلاما شديدة فى المفاصل وصعوبة فى المشى، وبعد حوار أجراه د. هنش مع زميل له، وهو دكتور كندل أستاذ الكيمياء الحيوية، تبين أن الأخير كان ضمن فريق بحثى نجح فى فصل أربعة مركبات من الغدة الكظرية كان من بينها هرمون الكورتيزون، ولما وصف له د. هنش حالة مريضته الشابة التى عانت آلام التهاب المفاصل الروماتويدى أبلغه د. كندل أن إحدى شركات الأدوية نجحت فى إنتاج مستحضر دوائى يحتوى على الكورتيزون وطلب منه حقن المريضة بجرعة من هذا المستحضر الذى ترتب على حقنه تحسن ملحوظ فى حالة المريضة.

وفى عام 1949 قدم د. هنش فى مؤتمر طبى بحثاً عن اكتشاف الكورتيزون واستخدامه فى علاج بعض الأمراض التى لم يكتشف علاج لها من قبل، ولقد نشرت الصحافة خبر هذا الاكتشاف الذى أطلقت عليه «معجزة الشفاء» والذى حصل بموجبه د. هنش ود. كندل على جائزة نوبل فى الطب. ​

وتشير الدراسات الطبية إلى أن الكورتيزون ومشتقاته تستخدم فى علاج نحو 200 مرض تشمل أمراض الغدة الكظرية وأمراض الدم والسرطان والحساسية وعددا من الأمراض الجلدية والكلية والجهاز التنفسى والروماتويد والتهاب المفاصل وأمراض الجهاز الهضمى وغيرها، ولقد اهتم علماء كثيرون من مختلف دول العالم بإجراء بحوث عن الكورتيزون ومشتقاته بلغ عددها فى بداية الألفية الثالثة نحو 5 ملايين بحث. ​

هذه هى قصة اكتشاف الكورتيزون الذى تحقق بفضل دقة ملاحظة أحد علماء الأطباء الذى تعاون معه عالم الكيمياء الحيوية ليحققا معاً معجزة من معجزات الشفاء وهو الكورتيزون الذى ساعد فى علاج ملايين المرضى على مستوى العالم، الذى أُسس اكتشافه على مشاهدات ودراسات علمية دقيقة.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: