بطاح يكتب: زلزال التغيير الطبابة عن بعد: لماذا لن ينتظر العالم صيدليتك حتى تتطور؟

بطاح يكتب: زلزال التغيير الطبابة عن بعد: لماذا لن ينتظر العالم صيدليتك حتى تتطور؟


بقلم: د.عبدالله بطاح
يعيش العالم اليوم حالة من “السيولة” التقنية التي لا تعترف بالحدود التقليدية للمهن. وما نشهده اليوم من لغط حول قانون “الطبابة عن بُعد ونقل الدواء” ليس مجرد خلاف على بنود قانونية، بل هو صدام حضاري بين عقليتين: عقلية “القلعة” التي تحاول التحصن خلف أسوار التشريعات القديمة لحماية مصالحها، وعقلية “المنصة” التي تدرك أن العالم يُعاد تشكيله رقمياً، وأن من يرفض ركوب الأمواج سيغرق لا محالة تحت وطأتها.
فوبيا التغيير: من “أوبر” إلى “الصيدلية الرقمية”
التاريخ يعيد نفسه دائماً بصور مختلفة. بالأمس القريب، قامت الدنيا ولم تقعد عند دخول تطبيقات النقل الذكي مثل “أوبر وكريم”، وتعالت الأصوات التي تنادي بحماية “أرزاق الناس” من “الدخلاء”. واليوم، نرى المشهد ذاته يتكرر في القطاع الصيدلاني. الحقيقة التي يجب أن نواجهها بشجاعة هي أن التطور لا يسأل عن “هوية” من يقوده، بل يسأل عن “كفاءة” الخدمة المقدمة.
إن اتهام صناع القرار بالتحيز أو “الأجندات الخفية” عند إقرار قوانين تواكب التطور هو نوع من الهروب إلى الأمام. هؤلاء المسؤولون لا يحاولون تدمير المهنة، بل يحاولون “إنقاذها” من العشوائية. فبدلاً من ترك “البيع أونلاين” والدخلاء يعملون في الظلام، جاء القانون ليضع إطاراً يحفظ حقوق الجميع ويضمن سلامة المريض.
وهم “الدخيل” في عصر التشارك
أكثر ما يثير الاستغراب في الخطاب الرافض للتغيير هو مصطلح “دخلاء المهنة”. في الكوكب المبرمج الذي نعيشه اليوم، لم يعد هناك مهنة “نقية” مئة بالمئة. الطبيب اليوم لا يعمل بمعزل عن المبرمج الذي صمم له نظام التشخيص، والمهندس لا يعمل بمعزل عن الذكاء الاصطناعي.
عندما يصمم مبرمج ذكي تطبيقاً يسهل وصول الدواء لمريض في منطقة نائية، أو يوفر استشارة طبية عن بُعد لمن لا يستطيع الحركة، فهو ليس “دخيلاً” يسرق رزق أولادك، بل هو “شريك في الحل”. الرزق في العصر الحديث لا يُحفظ بالانغلاق، بل بالتميز الرقمي. التطور هو نتاج تلاقح العقول من مختلف التخصصات، والإصرار على حصر المهنة في شكلها “الفيزيائي” القديم هو حكم بالإعدام على مستقبلها.
سنة التغيير: البقاء للأكثر قدرة على التكيف
يجب أن نكف عن النظر إلى القطاع الصيدلاني كفريسة سهلة للانقضاض. إذا كان هناك خطر حقيقي يهدد الصيدليات، فهو ليس “أمازون” ولا “تطبيقات التوصيل”، بل هو “التأخر الفكري” وعدم الاستعداد لما هو قادم.
إن “سنة التغيير” في الأرض لا تحابي أحداً. الكوكب اليوم يُعاد برمجته، والأدوار تُوزع من جديد بناءً على القدرة على الإنجاز. من يعتقد أنه يستطيع منافسة عمالقة التكنولوجيا بعقلية الثمانينات هو واهم. المنافسة الشريفة ليست في منع الآخرين من الدخول، بل في تطوير أدواتنا لنكون نحن الخيار الأول للمستهلك الذكي.
العدل لا يعني المساواة في الجمود
يطالب البعض بـ “العدل” في المنافسة، لكن العدل الحقيقي هو أن يحصل المجتهد والمواكب للعصر على حصته من السوق. ليس من العدل أن يتم تعطيل تقدم مجتمع كامل، وحرمان المرضى من خدمات تكنولوجية مريحة وآمنة، لمجرد أن فئة ترفض تطوير نموذج عملها.
القانون قد صدر، والتحول الرقمي أصبح أمراً واقعاً. ومقاومة هذا الواقع تشبه محاولة إيقاف شروق الشمس بكف اليد. الرسالة الواضحة لكل زميل وممارس هي: (اتعلم، اعرف، مارس). لا تجعل خوفك من ضياع “الرزق التقليدي” يعميك عن “الرزق الرقمي” الواسع الذي يفتحه التطور.
خاتمة: إما التطور أو الاندثار
إننا لا نعيش في معركة ضد صناع القرار أو ضد المستثمرين، نحن في سباق ضد “التقادم”. القطاع الصيدلاني ليس ضعيفاً، لكنه يحتاج لروح جديدة تؤمن بأن التكنولوجيا هي حليف وليست عدواً.
العالم يتحرك للأمام بسرعة الضوء، ومن يصر على البقاء في مكانه، متمسكاً بأسوار قديمة خاوية، سيجد نفسه يوماً ما وحيداً يخاطب أشباح الماضي، بينما يمر قطار المستقبل من أمامه دون توقف. التغيير قادم، فكن أنت جزءاً من محركه، ولا تكن حطاماً تحت عجلاته.

Tags

Share this post:

Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit, sed do eiusmod tempor incididunt ut labore et dolore
%d مدونون معجبون بهذه: